أمل بلا نهاية

أمل بلا نهاية


على شاطئ البحر الذي لم يزَل محبّبًا على قلبي رغم فراق السّنين، أمشي والبحر هادئ الموج، والشمس تتأهّب لطلوعها من مخبئها، وقوارب الصيد الصغيرة تذكّرني بالماضي الجميل. منظرٌ يكمُن فيه الصّمت والشّوق لملامح حبيب لن يعود.
ما فات لا يعود ولكنه يبقى يرافقنا في أعماقنا، ولا يترك أبدا وجداننا. أحسّ أحيانا أنني لا أريده أن يتركني، ذلك الألم الذي بتُّ أجد فيه اللذة. أريده أن يبقى هناك يذكّرني أنني يوما ما أحببتُ، وقلبي تعلّق بروحٍ فارقت الحياة بغتةً ودون سابق إنذار، ولم تفارقني الصور والذكريات.
لماذا اختاره الموت من بين كل البشر وتركني وحدي أصارع الألم الذي لا ينتهي؟
ما زلتُ أسأل ذلك السؤال ولا أدري كيف يمكنني أن أكمل حياتي دونه ولا أرى بصيصا من النور في ذلك النفق الأسود الرهيب الذي دخلتُ فيه منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي لم يكن بالبال ولا بالخاطر، إذ كنتُ أعيش معه أجمل الأيام، وأحسّ أنني أسعد الناس على وجه الأرض. من أجله تنازلتُ عن كلّ شيء، وظننتُ أننا سنقضي العمر كلّه معا.
لكن، للحياة خطط أخرى لم نكن نحسب لها أقلّ حساب.
دخل وسيم إلى حياتي بعد فترة قصيرة من بداية دراستي الجامعية في خارج البلاد، حاملا لي سعادة لم أعرف مثلها من قبل، وأملا جديدا لم يكن في الحسبان. قضيتُ معه أجمل الأيام وأحسستُ أنّني لم أعِش قبله لحظة واحدة.
ولكن الحياة تفاجئنا بما لم يكن يخطر لنا على الإطلاق، خاصة في ذلك الوقت من العمر، حيث نحسّ كأننا نملك الدّنيا بأكملها على كفّ يدٍ واحدة.
وذات ليلة، بينما كنتُ جالسة على شرفة البيت أنتظر عودته، وقلبي مقبوض دون سبب واضح، جاءني الخبر الذي هزّ قلبي وكل كياني، فقد تعرّض وسيم لحادث سير لم ينجُ منه.
ضاع وسيم إلى الأبد فضاع معه كل فرح وكل أمل.
يــــــاه! كيف يهبّ الموت فجأة من حيث لا ندري على أغلى أحبابنا، يسرقهم منا ولا يعود أيّ شيءٍ في حياتنا كما كان من قبل.
لم أعُد أجد طعما للحياة. كان وسيم يملأ كل حياتي، فترك فراغًا كبيرًا بعده، لم أكن قادرة على استيعابه أو تحمّله. بتُّ تائهة في هذه الحياة، لا حول لي ولا أمل.
عدتُ إلى بيتي وأهلي. لم يعُد هناك ما يبقيني في البعيد.
عدتُ خاوية اليدين، محطّمة القلب، مسكونة حزنا سحيقا ويئنّ الوجع في أضلاعي.
عدتُ، ولا أدري ماذا ينتظرني هنا وماذا تخبّئ لي الحياة.
توجّهتُ نحو الأفق والسّماء التي تحتضن البحر.
ترى، هل القلبُ ينسى ويعود ليستمتع بالحياة بعد الموت؟ هل يعود ويفكّر في الحبّ والزّواج والثّروة والشّهرة ومستقبل الأطفال وسلامة الجسد وراحة البال؟
هل يمكن لكل هذه الأحاسيس أن تبقى حيّة، وينهض الأمل من الرّماد من جديد؟
هبّت على وجهي ريحٌ باردة تُنعش النفس. أغمضتُ عينيّ واستنشقتُ الهواء العليل عميقًا. ولأوّل مرة منذ زمنٍ طويل، أحسستُ بنبضات قلبي داخل صدري ما زالت تدُقّ بلهفةٍ واشتياق.
فتحتُ عينيّ وخطوتُ بخطوات ثابتة نحو البحر الكبير، متواري الأطراف، وقد صخبت أمواجُه وبدأت تمتدّ وتترامى على الشاطئ.
ها هو الصّباحُ يشرقُ من جديد، والشمسُ ترسلُ أشعّتها الذّهبيّة من بعيد، تبعثُ فينا الدّفء. تذكّرنا بأننا على قيد الأمل.

كفر كما/الجليل الأسفل
25.7.20

نبذه حول الكاتب

كاتبة فلسطينية من كفر كما في الجليل الأسفل خريجة جامعة حيفا لقب اول في علم الإجتماع والتربية. تكتب الخاطرة والقصة القصيرة والرواية. صدر لها: الرجل الخطأ (2012)- قصص حب في أتون العاصفة (2019) - رواية حياة جديدة (2020) - قصص

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...