الابتكار والتجديد

الابتكار والتجديد


من المؤكد ان من يكتب وينشر ما يكتب فهو لا يكتب الى الاميين، ربما يكتب عن الاميين، ولكن قطعاً ليس لهم
فاذا كان الحال هكذا وان النسبة الغالبة بالمجتمعات الشرقية اميون فما العمل اذا؟

وسط التدفق اللامتناهي للصور والافلام التي تأتي في طريقنا كجزء من (الاقتصاد) البصري للقرن الواحد والعشرين، فان قيمة المشاهدة والاستماع قد ازاحت الى حد ما وببطيء من قيمة القراءة ولم تعد كما كان سائدا، حيث نكتفي بمشاهدة فلم او صورة او تقرير اخباري مصور ونترك التحليل المعمق للمعلقين والصحفيين وبقية الثرثارين يبيعون علينا شفهيا بضائعهم الفاسدة، كمستهلكين سلبيين لا تأثير لنا على سهولة انتشار هذه السموم

وبما اننا عدنا الى نقطة الصفر في النضال السياسي وكأن كل المئة سنة الأخيرة لم تكن سوى عبث لم يقدم لنا سوى القليل والمؤقت من التقدم الاجتماعي والحريات المدنية، لان التحرر والاستقلال الذي تحقق بالماضي، قد فشل فشلًا ذريعاً في ثباته وتجذره، وفشلت معه الدولة المدنية الحديثة، وعاد بنا الحكم العسكري القومي والبعثي والإسلامي قروناً الى الوراء.
فان السؤال الذي لم نسأله واذا سألناه فلا اجابة عليه بعد، يفرض نفسه علينا كل يوم وهو:
كيف تحملت الشعوب العربية طغيان القوميين والبعثيين والناصريين والاخوان المسلمين والخمينيين والوهابيين بصبر وجلد كل هذه العقود الدموية من السنين؟
والاهم:
كيف دافعت عنها وناصرتها باستبسال؟ ولماذا؟
هل لان الحافز للابتكار داخل كل المؤسسات السياسية التقدمية المعارضة قد مات سريعا بعد صعود هذه الحركات الرجعية والدموية الى السلطة؟

من اهم الدروس التي جاءت بها الثورات الصناعية والاجتماعية في الغرب تقول بانك إن لم تكن قادرا على الابتكار، فإن الآخرين قادرون، وهم (اللاعبون) الجدد الذين ربما يهددوا وجودك جملة وتفصيلا، معنى ذلك وببساطة، إن أرادت الحركات التقدمية النهوض وأن تتقدم وتنمو وتتطور وتصبح أكثر ديناميكية وكفاءة، فإنها بحاجة لتنفيذ أفكار جديدة بنجاح

في ماضينا القريب كان الشيوعيون، حملة ايدلوجيا ماركس وانجلز ولينين الثورية حول العالم من حاول وعمل على التجديد والابتكار، وتحمل وزر الآلام او على الأقل من حاول وتطوع وأفنى سنوات طويلة في تحملها ومحاربة شرور العالم وفقره وبلاءه الناتج عن وحشية رأس المال العالمي ونظامه الاستغلالي والاستعماري الجائر

وكنت تستطيع ان تميزهم بسهولة، فكنت تجد الشيوعي في كل مكان محباً للعمل والأمل ومحترماً لكل شيء في هذه الحياة إلا المال، الذي وجد فيه عدواً لدوداً لبني البشر لابد من اقتلاعه وتعليم البشر كراهية الاستغلال والتملك وإشاعة روح العمل والتضامن بين الناس، كانت هذه احدى اهم العلامات الفارقة عند الشيوعي.

وقد نجح الشيوعيون بالعالم على مدى سبعين سنة في هذا العالم العجيب، الى ان بدأوا بالكذب، وعدم قول الحقيقة ومخالفة قوانين الطبيعة والأغلبية الساحقة من السكان، وبدأت الأحزاب الشيوعية تتفكك وتنهار واحدة بعد الأخرى، وغرقنا في عالم التبريرات الكاذبة والتغطية على الجرائم، وكل هذا سار ويسير على غير مسار التاريخ، فمنذ عام 1960 وحتى انهيار السلطة السوفياتية سنة 1991 اندلعت أكثر من 180 حربًا أهلية على مستوى العالم، واليسار الثوري كان طرفا في العديد منها وقد خسرها جميعا

فلقد تعوّد المسؤولين الحزبيين حول العالم (وليس في الشرق فحسب) على خلق الأعذار والتبريرات للأخطاء التي وقعوا بها والجرائم التي اقترفوها، وبمرور الزمن تحولت هذه الأعذار والتبريرات في بلدانهم الى عادات وسلوك يمارسه الجميع وفي كافة الهيئات من الأعلى الى الأدنى، ثم وبالتدريج فقد الأعضاء المعاني السامية للفكر وتطبيقاته بالحياة وتحولت أفكارهم الى مذهبية تافهة لتبرير الفشل، وكفوا ان يكونوا ذوي تأثير في عمليات التحول الفكري والاجتماعي او السياسي المحلي او العالمي, وانتهت بهم فذلكاتهم الى الانكماش والوجود كأسم هامشي لا ينفع ولا يضر, وأصبح الماضي الثوري مصدر إضعاف للجميع، وترك الحزبيون أنفسهم للأخطاء فضعفت معنوياتهم، باختصار هؤلاء لم يعودوا مناضلين وإنما مدافعين عن عقائد بائسة محاصرة.

وفي عالمنا بالشرق الاوسط، كان لدى اعضاء المنظمات والاحزاب الثورية وخاصة الشبيبة، ابتكارات عملية جديدة وطموحات هائلة وأفكار واقعية كان يمكن تحقيقها، وقد نجح المسؤولين، خاصة الضعفاء امام مواجهة وتحدي عقدة الهوس الديني العقائدي الرجعي التي غزت الشرق، في منعهم من تحقيقها، فراحت قدراتهم تذبل ولم تحقق شيئا، وبقي الأغلبية بين ماضٍ نتحسر عليه وبين مستقبلٍ (لم يأت أمس ربما سأقابله الليلة)!!

فهل يمكن للمرء ان يعيش بدون أيديولوجيا وينشغل بحمل آلام الآخرين بدون هدف؟

الأيدلوجيا كما تعرف اليوم, نظام من العقائد او الإيمان موجود في المجتمعات البشرية الحديثة منذ بداية الثورة الصناعية، ولا يوجد فرد او جماعة بدونها (رغم الدعايات والتنظيرات التافهة التي تقول بإنكارها او بموتها), وهي مصممة لكي تبدو طبيعية وشيء حتمي في حياتنا، تتجسد في زماننا كما في زمان من سبقنا ومنذ بدايتها خلال الثورة الفرنسية قبل مئتين وثلاثين سنة في تقديمها للجمهور بسلاسة باستخدام الصور والأفلام والصحافة والإعلام بشكل عام، كوسائل مهمة لنشر القيم الملائمة للنظام السياسي والاقتصادي القائم, وهي تموت وتنتهي او تضعف وتتجدد وتتغير باستمرار من حالة الى حالة اخرى تبعا للابتكارات والتجديدات التي يخلقها حاملوها والمدافعين عنها في عالم الثورات الصناعية العالمية المتكررة.

ولهذا فلا يجب على أحد ان يحمل وزر الابتكار والتجديد بين ذراعيه إذا لم يكن من طبيعة مندمجة مع افكار العصر الحديث، ومناضلا قويًا، وفارسًا شجاعًا جدًا في المعركة.

نبذه حول الكاتب

ساطع هاشم مواليد مدينة بهرز – محافظة ديالى – 1959 درس الفن سنتين في المدرسة الوطنية للفنون - الجزائر - 1980- 1978 حصل على شهادة الماجستير بالرسم الجداري من اكاديمية موخينا للفنون – لينينغراد – الاتحاد السوفياتي سابقا- - 1989 اقام معارض شخصية عديدة وشارك في معارض جماعية عديدة في العديد من دول العالم . وتعرض اعماله في عدد من المجموعات العامة والمتاحف – وابرزها : المتحف البريطاني في لندن- بريطانيا , متحف الفن المعاصر في كالينينغراد – روسيا متحف ليستر للفنون –بريطانيا , وزارة الصحة السويدية – ستوكهولم . والعديد من المجموعات الخاصة في اكثر من عشرة بلدان. ونفذ عدد من الجداريات في السويد وبريطانيا .

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...