طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات / الملياردير رفيق الحريري ينام في مطبخ شقتي

طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات / الملياردير رفيق الحريري ينام في مطبخ شقتي


في صيف 1966 تزوَّجتُ بتول عبد المجيد إسماعيل البستاني ( لاحقاً أم ولدي حيدر) في بغداد. وارتأينا أن نمضي عطلتنا الصيفية في بلاد الشام، وخصوصاً فلسطين، وبوجه أخصّ القدس الشريف.

 

       كنتُ قد التقيتُ ببتول أوَّل مرَّة في بيروت حيث كان يقيم أبوها وعائلته بعد مغادرتهم العراق إثر انقلاب عسكري سنة 1963.  كنت آنذاك أواصل دراستي للماجستير (1964ـــ1966) في الجامعة الأمريكية في بيروت صباحاً، وبعد الظهر كنت أدرس في كلية الحقوق بجامعة بيروت العربية ـــ وهي فرع من جامعة الإسكندرية ـــ. 

 

وفي جامعة بيروت العربية، تعرَّفتُ على رفيق الحريري (1944 ـ 2005) الذي كان طالباً يدرس  بكلّية التجارة في تلك الجامعة، وكانت نضال عبد المجيد إسماعيل البستاني، أخت زوجتي بتول، تدرس في نفس الكلية. فتعارفا، ثمَّ تزوَّجا سنة 1965. ولما لم يكُن رفيق قادراً مادّيَاً على إعالة أسرته، فقد كان يعمل في المساء محاسباً في جريدةٍ بيروتية بمرتَّب قليل، فقد  قدّما طلباً إلى وزارة المعارف السعودية للعمل معلميْن. وعندما قُبل طلبهما أوصلتهما بسيارتي الفولكس واكن (الخنفساء) إلى مطار بيروت الدولي، وسافرا إلى جدّة حيث عملا  في مدرسةٍ ابتدائيةٍ براتب 900 ريال لكلٍ منهما، وفي تلك الفترة أنجب رفيق ونضال ثلاثة أبناء هم : بهاء (على اسم ابي رفيق، واخته بهية)، وسعد (على أسم سعد البستاني، خال أولادنا)، وحسام رحمه الله. ( وبعد أن أصبح رفيق شخصيَّةً مهمَّة، أصبحت أسماء الأولاد: بهاء الدين، وسعد الدين، وحسام الدين).

 

       كان المفروض أن يجري حفل زواجنا (أنا وبتول) يوم 15 أبريل 1966، في منزل عمِّ زوجتي طبيب الأطفال الدكتور عبد الحميد إسماعيل البستاني، الذي يقع مقابل منزل رئيس الجمهورية ( القصر الجمهوري) في بغداد. ولكن مروحية رئيس الجمهورية عبد السلام عارف (1921 ـ 1966) سقطت بين القرنة والبصرة يوم 13 أبريل في ظروف غامضة وقُتل الرئيس، ولم يكُن من المناسب إقامة حفل الزواج في منزلٍ قبالة منزلٍ آخر يجري فيه العزاء. فنُقِل الحفل إلى منزل خالتها السيدة الجنابي.

 

في اليوم التالي، وعند مطلع النهار قدتُ سيّارتي الصغيرة من نوع الفولكس واكن (الخنفساء) ومعي زوجتي، من بغداد إلى عمان في طريقٍ رملية لم تكُن قد عُبِّدت بعد. وتوجّهنا من عمان إلى القدس ومنها إلى رام الله، فنابلس حيث يعيش صديقي وزميلي في الجامعة الأمريكية أسعد عبد الرحمن. وبالقرب من  نابلس زرتُ مقبرة الجنود العراقيِّين الذين استشهدوا في معركة جنين سنة 1947، ومنهم ابن عمتي كاظم فنيخ.، ويفتخر  الجيش العراقي بهذه المعركة، لأنه استطاع الاحتفاظ بمثلث جنين بيد الفلسطينيِّين. 

       

       أمضيتُ وزوجتي بعض الوقت على ساحل البحر الميت، وزُرنا ضريح النبي موسى (ع) وكان ضريحاً متواضعاً يحرسه جنديّان أردنيّان حيث كانت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية قبل أن تستولي عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة سنة 1967.

 

       وبعد ذلك ذهبنا إلى لبنان كيما أستطيع أن أؤدّي امتحاناتي في كلِّية الحقوق بجامعة بيروت العربية. واستأجرنا في بلدة حمانا شقة صغيرة؛ وتقع بلدة حمانا في وادٍ، بالقرب من مدينة عليا الجبلية.

 

       كنتُ أقود سيّارتي الفولكس واكن في أحد شوارع بيروت عندما لاح لي عديلي رفيق الحريري يسير في الشارع. توقَّفتُ وتحدَّثنا قليلاً. كان رفيق، هو الآخر، قد قدِم من جِدّة إلى بيروت لأداء امتحاناته في كلّية التجارة. وقد ترك زوجته نضال وابنه الرضيع بهاء مع أبويها في الرياض، فقد حصل أبوها على عمل مستشارٍ قانوني في وزارة الأشغال السعودية. ولعلَّ رفيق تركهما هناك اقتصاداً في نفقات السفر. 

 

       قلتُ لرفيق: هل تودُّ أن تذهب معي إلى حمّانا لتناول طعام الغداء الذي لا بُدَّ أن تكون بتول قد أعد|ته؟

       قال: بكلِّ سرور، فقد انتهيتُ من الامتحانات.

 

       ذهبنا إلى حمانا وفرحت بتول برؤيته وبسماع أخبار أختها ووالدَيها في السعودية. وتناولنا طعام الغداء وتحدَّثنا طويلاً. ثم هيَّأَت لنا بتول طعام العشاء وتناولناه. وبعد العشاء سألني رفيق ما إذا كنتُ أستطيع أن أعيده إلى بيروت. 

فأجبت: إنني لا أسوق السيّارة ليلاً والطريق جبلي. 

قال: إذن أبات عندكم. 

قلتُ: لا توجد في هذه الشقة سوى غرفة نوم واحدة ومطبخ وحمام. 

قال: إذن أنام في المطبخ. 

وهكذا كان، فقد أخذ بطانيةً وفرشها على أرض المطبخ ونام هناك حتى الصباح. 

 

       وبعد سنوات، عندما كنتُ أمرّ على بعض قصور رفيق الحريري في الرياض وبيروت وجنيف، كنتُ أتذكر المطبخ المتواضع الذي نام فيه، وابتسمُ بشيءٍ من الفرح، لأنه كان يستحقُّ النجاح الذي حقَّقه. فقد حقق رفيق نجاحاً كبير في الأعمال التجارية التي زاولها في السعودية وغيرها، وأدّى دوراً سياسياً مهمّاً في وضع نهايةٍ للحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وأنشأ مؤسّسة الحريري الخيرية التي بعثت بآلاف الطلاب اللبنانيِّين للدراسات العليا في الغرب، وتولّى رئاسة وزراء لبنان، وقام بإعمار البلاد، ثم اغتيل  ـ معَّ الأسف ـ من قبل أعداء العرب.

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...