موسيقى عراقية

موسيقى عراقية


 

ليتَ الفتى حجرٌ

يا ليتني حجرُ

ألتمُّ حين شظايا الدهرِ تنهمرُ

ألتَمُّ حين تلوحُ الأرضُ ساقيةً

شوهاءَ، ينشجُ في أطرافِها الشجرُ

هل يعرفُ الشوقَ

إلاّ من يكابدُهُ

ويعرفُ الجوعَ إلاّ جائعٌ …. وعِرُ

أو يعرفُ الجرحَ إلاّ نازفٌ عبرَتْ

على جراحِه نارٌ وَقْدُها حجرُ

يبكي إذا انكسرتْ في بوحِها المطرُ

فوتُ الحبيبِ الذي أوجعتَه ظفرُ

في روعهِ ندمٌ، في صدرِه سقرٌ

عرارُ ريّا،

وما في ربعِها سطروا

ودار ميّةُ مذبوحٍ بها الأثَرُ

تبكي مدارجُها والفجرُ معتكِرُ

غيلانُ، غيلانُ

هل يجدي الفتى حذرُ

إذ الصَّبا غضةٌ إذْ عودُها نضِرُ

ينبو بها قدرُ

أعنَّةُ الليلِ محمولٌ بها الخطرُ

في طيِّها وجعٌ، في طيِّها نُكُرُ

يا ساريَ البرقِ لا تسألْه … ما الخبرُ

عاثتْ بنا النُّذُرُ

والليلُ ينهمرُ

نَسْجُ الشباكِ التي في كفِّهِ وَضَرُ

يا ساريَ البرقِ، تلك الخيلُ تنتظرُ

والنارُ في دمِنا المعطوبِ تنكسرُ

هل يكذبُ القمرُ..!

نعم …

ويخجلُ إذْ

تبكي على زندِه الآثارُ والصورُ

يا ليتني حجرُ.

***

حبيبي …

على رُسْلِه كان قلبي يفتّتُ أزهارَه

وعلى رُسْلِه

كان يفقأُ أعينَ سربِ القطا

هل أعارَ القطا جنحَه

هل تفيّأَ سربُ القطا نخلةً في العراقْ …

***

على مقعدٍ من يقينْ

تستريحُ الحماماتُ مطفئةً نارَها

البرتقالُ يفجِّرُ أشجانَهُ في النُوارِ الحزينْ

على مقعدٍ من شجونْ..

يستريحُ الفتى حجراً

يستريحُ غباراً بأغنيةٍ،

ظلَّ ينشدُها العابرون

على مقعدٍ من ظنونْ

تستريحُ الفتاةُ

على مقعدٍ من ورودِ الزمانْ

وينجرحُ الليلُ في دمِها

ويدورُالمكانْ

ودجلةُ تلقي بأدغالِها في الأمانْ..

غريبين، صوتُكَ كان الدّثارَ الوحيدْ

غريبين كنا، العراقُ بعيدْ

يُجَرِّحُه في دمانا البغاةُ،

المرابون كانوا يجرّونه من دمانا

ونأسرُه في سوادِ العيونْ

غريبين، كلُّ الجبالِ تصلّي على جرحِنا

والمرايا شهودْ.

***

على مقعدٍ من عبيرْ

يموتُ النداءُ الأخيرْ

خانَهُ الليلُ، والمخبرون الصغارْ

يجيئون من داخلِ النغمةِ الشاردةْ

يجيئون من نبض أغنية شاهدة

يجيئون من ليلةٍ حاقدةْ …

وتعدو خيولُ الصباحْ

على غيمِنا المستباحْ

تجرُّ القوافلُ في دمِنا قيدَها

خطوةً، خطوةً

وتسيلُ غنائمُها والسروجُ علامةْ

وجمرةُ دمعي قيامةْ

وليلكةٌ تسألُ الشامَ

عن ومضةٍ في عيونِ البطاحْ

قالت الأرضُ: لا تستفقْ يا هوايَ الأخيرْ

قلتُ: كلُّ الزمانْ

صالحٌ للتشرُّدِ،

كلُّ المكانْ …

صالحٌ للتّوحدِ،

كلُّ المدى صالحٌ للحُلُمْ …

وكلُّ المواعيدِ شاحبةٌ غيرَ موعدِ قلبي

ومقفرةٌ غيرُ موعدِ حبّي

فلا تبتعدْ …

أنّها اللحظةُ المستحيلةُ

لكنني لن أجئَ

لتبقى وحيداً

ويغمرَ وجهَكَ حزنٌ جديدْ

***

آهِ لو الصدورُ تستطيعُ أنْ تبوحْ

بشهقةٍ في الروحْ

أركضُ في عتامةِ الضبابْ

أخترقُ السحابْ

وأضربُ الترابْ

بما جنَتْ كفّايَ من آثامْ …

عطرُكِ يا فراشةَ الربيعِ واحةٌ

وشهدُكِ السرابْ

وجنحُكِ اغترابْ

نصحتُ حقلَ الوردِ في الخريفْ

ألاّ يحترقْ

لكنّكِ أحترقتِ،

دعوتِ كلَّ النخلِ ألاّ يهجرَ الصحراءَ واغتربتِ

سيدتي..

في وجهِكِ المغلوبْ

قافلةٌ مسبيّةٌ وقمرٌ مسلوبْ

فأنصتي للريحِ إنْ تبعثرتْ

واختبأت في السورْ

لن نحنيَ الرأسَ لدى مرورِها

قد وقعَ المحذورْ

***

البحرُ يمتشقُ الزَبَدْ

والريحُ تشعلُ في السواحلِ وردَها

والأفقُ يعرفُ موعدَه

والجرحُ ربانُ الحريقِ الى السواحلِ

آهِ، من ربّانِ هذي المصيدهْ

الجرحُ لا يعطي لواعجَه

ولا يعطي زنابقَه

ولا باعَ المناديلَ التي نزفَتْ

على شرفِ الأماسي المترعهْ

والبحرُ تقطعُه النميمةُ والهزيمةُ

والشراكُ المغرضهْ

والبحرُ تقطعُه الليالي.

والبحرُ، يالي من رجالي

أرتديه مرةً، أو يرتديني

فيه أرقدُ مرّةً،

وينامُ شوكاً في عيوني

من أين يأتي البحرُ، كيف يجئُ

يشعلُني ضحىً

ولظاهُ يغمرُني دجىً

طوراً أصدِّقُه

وأطواراً يكذِّبُني

وأهجرُه، وأنكرُ في حديقتِه غصوني

يا أيّها الوردُ الذي زرعَ

السفينَ دماً عصامياً

يسرِّحُ شعرَ موجِ البحرِ في الخلجانِ،

قال البحرُ للأسماكِ: كوني،

لكنّها رفضَتْ …

فسالَ الفجرُ من جرحِ النّوافذِ

قالتْ الضفةُ الأخيرةُ

جئتَ يا شجرَ الفصولْ

يا أيّها البحرُ الذي هجرَ الحقولْ..

حجرٌ أنا

احترقَتْ أصابعُ عشبهِ في الجرفِ

فرَّتْ من أضالعِه الطيورْ

حجرٌ أنا، انكفأتْ لواعجُه،

وخانتْه الهواجرُ، والمهاجرُ،

أيّها البحرُ العذولْ

يا أيها المدُّ ابتلِعْني إذْ أتوقُ وإذْ ألوبُ

وأذْ تمورُ النارُ في نبضِ الجذورْ

يا أيها البحرُ الذي يُغري

رُخامَ الموجِ بي أطلقْ دهاليزَ الكلامْ

عبّئ مخاوفَه بألغامي ولا تأخذْ إليهْ

قلقي، امتشقْ لغتي إليه رهينةً

ألقِ المساءَ عليه خيمهْ

وتوسّدِ الصحراءَ غيمهْ

منفايَ في كفّيه خلفَ البحرِ،

خلفَ ضبابِ أغنيتي

وفي فزعِ العيونِ المرهقهْ

وهو العراقُ، هو العراقُ

تبسّمتْ كفّاهُ في وجعِ السنابلْ

وهو العراقْ.

ضحكَتْ جداولُه على زَبَدِ الضّفافِ المالحهْ

يا أيها المتوسّطُ المخذولُ بالكَذِبِ

انتشلني من عيونِ الريحِ

خذْ شفتي واطلِقْني على كَتِفيهِ

جرحاً عابراً

واسجنْ عيونَ الريحِ فيَّ إذا مضيتْ

يا أيّها المتوسطُ المخمورُ

هذي النارُ تشعلُ في عيونِ البرقِ

آخرَ زنبقهْ.

في أوجِ أغنيتي ألوذُ بماءِ صدرِكَ،

بالغبارِ على خُطاكَ المرهقهْ..

يا أيها البحرُ الذي كسرَ المعابرَ

هل نعودُ إلى الحدودْ..

نُلقي بصخرةِ صبرِنا عبرَ المدى

يا أيها البحرُ اللّدودْ

ألْقِ السلامَ عليَّ واختصِرِ الرّدى

***

ضاعوا بآخرةِ النهارْ

ضاعوا، يلمُّ الغيمُ من دمِهم شظايا.

والحبُّ للفقراءِ مأوى

لكنّهم زرعوا الطريقَ إليه بالألغامِ

فانفجرَتْ شظايا الروحِ

وارتَدَتِ الموانئُ حزنَها

وبقيتُ أرقبُ غيمَ وجهِكَ

قالت الأغصانُ: لن يأتي

وقالت غيمةٌ، سيجئُ

أوّلُ دربِنا جرحٌ، وآخرُ خطوِنا برقٌ

وما بين النّدى والجرحِ سكينٌ وملحمةٌ

نداؤكَ شمعةٌ لا تنطفي في القلبِ،

رغمَ الريحِ، رغمَ أصابعِ الغيلانِ

يشهدُ فجرُكَ المصلوبُ

بين قبائلٍ الدجلِ، المُرابينَ، الهوانْ

ومفارزٍ جفَّتْ غنائمُها

وعافتْها القوافلُ

أيها الوردُ العراقيُّ المصانْ

يا أيها القمرُ المخضَّبُ عنفوانْ

ضاعوا،

وفي عينيَّ،تنبضُ من بقاياهم سنابلْ

ويلوبُ صمتُكَ، والحروفُ لها أناملْ

نشوى،

تلمُّ ضفائري فتفيضُ في الليل الجداولْ..

يا أيها الوطنُ المكابرْ

أشرِقْ، فهذا الليلُ كافرْ.

أشرِقْ. فهذا الصدُّ كافرْ.

***

حبيبي..

لماذا الجسورُ تلمُّ معابرَها

في الغروبْ

لماذا البلابلُ كانتْ تلوبُ

على كتفيكَ إذا الشيحُ غرَّدَ،

أو هَدلَ العندليبْ..

لماذا إذا نامتِ الأرضُ

في عطرِها أستفيقُ.

على نبضِ قلبِكَ

يوجِعُ أغصانَ قلبي ويشعلُ خيمتَهُ

فيلوبُ الزمانُ

وتنكفئُ الأرضُ

في زهرةٍ من دخانْ.

لماذا …إذا ظلّلَ النخلُ شرفةَ بيتي

يجيئُني وجهُكَ قافلةً من عطورْ

وأرضاً تدورُ

وعاذلةً مُرّةً وغمامَ بُخورْ.

لماذا إذا غنّتِ الأرضُ أغنيةَ العائدينْ

وكلَّمتِ الأرضُ أشجارَها من حنينْ

وماجَتْ جبالاً، وفاضَتْ بحاراً

وسالَتْ أنينْ.

قال هذا الفؤادْ: مالَها؟!

.......................

حبيبي …

لماذا تلمُّ المباهجُ فتنتَها إذْ تغيبْ.

ويشطرُني الشوقُ ألفَ امرأةْ.

تسائلُ: عطرُكَ هذا.!

إم الليلُ يُرخي لقلبي العنانْ

ويفتحُ نافذتي فأضيعُ على سفنٍ من حنانْ

أعطرُكَ هذا،

أم الياسمينُ الذي اغتالَ نجداً

واسقطَها في الرّهانْ.

***

لم يكن من خيارْ..

عراقيةً كانتِ السعفةُ الشاردهْ

عراقيةً كانت الومضة الواعدة

فسلامٌ على الأرضِ في وجدِها

وسلامٌ على وترِ لا ينامْ.

نبذه حول الكاتب

شاعرة و كاتبة و ناقدة و صحفية

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...