لو لم يقتلني ذلك الشرطي

لو لم يقتلني ذلك الشرطي


تبا لذلك الشرطي، لو لم يضربني اللعين على رأسي، لتمكنت اليوم من أن أتذكر كل شيء عن هذا البلد الذي يلبس قلبه السواد منذ خمس وعشرين عاما ويتظاهر بالعزيمة لأنه يؤمن بأن غدا لناظره ليس ببعيد، لكني لا أتذكر سوى أنني عملت بنصيحة في الكتاب، وضعت الخمار على رأسي وأخفيت "جيبي" وركضت أتسوق مع أمي في "أستان تهران" التي طالما كنت أحب التسكع فيها مع أخي. ليباغتني ذلك الشرطي القزم.

آه تذكرت أخي، ذلك الشرطي اللعين ضربه هو الآخر وأبعده عني بينما كان يمسك يدي كي لا يزجوا بي في عربة شرطة الأخلاق مع بطاقة مجانية بلون الدم إلى الآخرة. 

لو لم يسحبني ذلك الشرطي الجاهل ويدفع بي عنوة بكل تلك الوحشية إلى داخل عربة شرطة "الأخلاق" لكنت الآن جالسة في بيتي بفستاني الليلكي أمشط شعري الأسود الطويل وأصنع منه الجدائل، وأطرز طرف فستاني الماروني برائحة زهور الأقحوان والسوسن وزقزقة العصافير وخرير النهر وأنا أستمع إلى أغاني "مظهر خالقي" الذي أعشق صوته و"حسن زيرك" الذي زرت قبره قبل مقتلي بيوم. ولكنت الآن أحيك لنفسي خمارا من بياض الصباح وحسيس النار في المدفأة عند قدمي. لكن تبا لذلك الشرطي.

لو لم يجرني ذلك الشرطي الغبي بكل تلك القسوة، وهو يضربني ضربا مبرحا حين كنت أنا إنسانة وهو وحش ضرير بأنياب ذئب، لكنت الآن أجلس في غرفتي منكبة على كتاب التأريخ وأقرأ فيه أمجادنا في الماضي وأصواتنا المخنوقة اليوم وشهقاتنا التي تعصر صدورنا، وقصة خصلة الشعر تلك التي أودت بحياتي.  

أيها الشرطي الغبي، لو لم تقتلني، لكنت الآن أخيط من قماش المحبة أسرة لأطفالي الستة التي كنت سأنجبهم ومن كتان البهجة سراويلا لأولادي ومن قطن السعادة فساتينا لبناتي، وأعلمهم كيف يحبوا الحياة ويحترموا إنسانيتهم التي قتلها أسهل عليكم من أن تقفوا أمام المرآة لتكتشفوا قبح دواخلكم.

تبا لك، لو لم تقتلني، لكنت الآن أختبيء في ركن ما في المنزل بعيدا عن عيون أمي وأبي وأخي، وأكتب من حرير الكلمات رسالة بكل ألوان قوس قزح، أمازح حبيبا وأقول له أنني لا أحبه، فأعود لأشطب العبارة وأكتب له كم أحبه وكم أتمنى أن أتوه معه بين أزقة مدينتنا "سقز".

لم يقتلي ذلك الأرعن، لكنت الآن أعلق أحلامي على أعمدة النور في حيينا، وأمنياتي أزرعها في أواني من خزف السرور، وأسقيها كل يوم بصفاء وزرقة ماء قزوين.
لو لم يضع القدر ذلك الشرطي أمامي ذلك اليوم الكالح السواد على طريقي، لكنت الآن طبيبة أداوي المرضى أو محامية أدافع عن الظلومين، أو فنانة تشكيلية أرسم جهالتكم بألوان من القرف أو مطربة أغني مآسينا، أو حتى أرقص كأنني أريد أن أقول كم أنا إنسانة وأستحق الحيات وموتا يليق بطيبتي.

آه أيها اللعين ألم يوصيكم نبييكم بنا حين قال "رفقا بالقوارير"؟ إن لم تجرني من شعري لما تحولت الآن إلى الآلاف من الشظايا التي سيصعب عليكم لمها، لما تبعثر صوتي ووصل إلى كل ركن من أركان مملكتكم التي بنيتموها بعظام الشهداء.

هل رأيت أيها الشرطي الأحمق كيف إنتقل صوتي إلى حناجر الملايين، وغضبي إلى قلوبهم ووجعي تحول إلى ثورة رفعت الغطاء عن نتانتكم وفاحت رائحة عفنكم في أرجاء البلاد ينذر بزوالكم القريب؟

 

على لسان ژینۆ ئەمینی، أو "مهسا أميني" الكردية.

* أستان تهران: العاصمة طهران

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...