كائناتُ الوقتِ السابقِ، في آخرِ العُمْرِ هذا

كائناتُ الوقتِ السابقِ، في آخرِ العُمْرِ هذا


في آخرِ الوقتِ هذا 

ها أنتَ تتعثّرُ بكائناتكَ السابقة 

في فلمِ حياتكَ الأبيضَ   والأسودَ، الصامِتَ، سريعَ اللقطات. 

خالتكَ  بدريّة.. وماكنةُ الخياطة من الزمن "الفكتوريّ"، والبصلَ اليابسَ و "البُطْنِجَ"، ونسيجَ "البازةِ" ، 

وأنتَ الذي تُديرُ "القايِشَ"، و "تَلْظِمُ" خيطَ العُمرِ القادمِ في "إبرةِ" قلبك.

عمّكَ حميد.. وسمكةٌ تنامُ على رصيفِ الغبارِ في شارعِ "المصافي"، تنظرُ إليكَ بعينينِ حانيتين، كُلّما عُدتَ إلى البيت من “الفارابي الجامعة"، في انتظارِ صيّادٍ نبيل ، لا يَمِلُّ من الصبر على البلوى.

عمَكَ محمد.. ورغيفٌ ساخنٌ أبداً، تدمعُ عيناهُ عليك، منَ القَحطِ الآتي.

أُمّكَ سنيّة.. وحُزنٌ لسبب، وخوفٌ لسبب، وأفراحٌ دونَ سبّب، وبُكاءٌ لا يحتاجُ سوى الماء، ليُغرِقَ دجلة. 

خالكَ نجم.. وضِحكةٌ مُعلَنَةٌ، تشبهُ هَمّاً نابتاً، في عَظْمِ الأيّام. 

أبوكَ لطيف السالم.. الرجلُ الذي جاءَ بكَ إلى هذا العالم، ورمّى "صُرّتكَ" في "تنّور" الأيّام، ورحلَ مُرتَبِكاً لكيلا تراه، كجٌنديٍّ يزرعُ لُغماً على عَجَلٍ، في "الأرضِ الحرام".

العطيفيّة الثانية.. عبيرُ النارنجِ، ومذاقُ التوتِ على حافّةِ الشَطِّ، و"أبو دَلَفَ" في حقلِ "الخَسِّ"، وطعمُ التمرِ "الزَهْدِيّ" في أرغفةِ العُمّالِ "الفَيليّينَ"، وحُنطةُ الروح مطحونةً في معمل "الدامرجي".

رائحةُ "الشَبّوي" في كُلّ ليلة .. نساءٌ جاحداتٌ، مازلتَ تتمنّى أن تشربَ معهنّ كُلّ مساءٍ عصيرَ الكاكاوَ الباردَ في الحديقة، في انتظارِ أُلفةٍ لن تَتُمَّ، ولن تأتي.

عينُكَ الكليلة .. وبناطيلُ الجينزِ اللاصقةِ المُستقرّةِ، على هضابِ الدِبْسِ والعسَلِ والحليبِ الحاليّ،

التي لا تشبهُ تلكَ "التنانير" التي كانت تطيرُ، دون ريحٍ، على جسر الشهداءِ، و "تَمْرِدُ" قلبكَ السابق، الذي كان "يستشهدُ" كُلّ صباحٍ، ويموتُ "سعيداً" عشراتَ المرّاتِ، قبل أن تصِلَ شاردَ الذهنِ ويابسَ الريقِ إلى "دائرةِ البريد والبرق والهاتف"، خلفَ "الشورجة".

بعد هذا كُلّه..

تأتي سيّدةٌ صغيرة

من مواليدِ "الواتساب"

وتقولُ لكَ .. اُحبُّكَ جدّاً يا حصانَ السباقِ القديم.

ومع أنّكَ لا تعرِفُ ماذا يعني ذلكَ بالضبط

فأنتَ تَجْفَلُ وتتلعثمُ مثل صبيٍّ "كَرْخِيّ"

باغتهُ أبوهُ بصرامةِ مُديرَ مدرسةٍ في زقاقٍ بائد

وهو يُدَخِّنُ أوّلَ سيجارةٍ مسروقةٍ من "باكيتِ غازي"

تحتَ "تيغةِ" السَطْحِ المفروشةِ بـ "الفَرْشيِّ" المبلول

بينما "مُنى" في "السَطْحِ" المُجاور

ترُشُّ رائحةً القمح

فوق روحكَ الطازجة.

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...