البحث عن وجه الانسانية في الديوان الشعري ( النهر أنت ياحبيبي وأنا الأفعوان ) للشاعرة أمان السيد

البحث عن وجه الانسانية في الديوان الشعري ( النهر أنت ياحبيبي وأنا الأفعوان ) للشاعرة أمان السيد


تحاول الشاعرة في خطها البياني الشعري المتصاعد الى سلم التألق في تجربتها الشعرية، أن تملك سمات اسلوبية مميزة في التناول والطرح في الصيغة الشعرية، التي ترتكز على رؤية فكرية عميقة في مجريات الحياة والواقع، بما تملك من لغة شعرية سليمة تسوقها بتشوق مرهف، وأنها تتعامل مع الاشياء بشفافية، رغم معضلة الأشياء الصعبة في مجهر التناول.

اي انها تخوض في أصعب الاشياء في مشاعر الروحية  والحسية، في عالمنا العربي المتلاطم في امواجه العنيفة، مرة شمالاً بالحروب العبثية، ومرة يميناً بدفع المواطن  الى الهجرة من الوطن، ليكون طعماً لحيتان البحر أو الموت الأزرق . هذه المكاشفة الصريحة في عذاب الانسان في ارض الوطن، في الاستباحة والانتهاك حتى  الأطفال يكونوا  طعماً لهذا الواقع المأفون، والضحية الاول والاخير هو الانسان والطفولة المغدورة، في وجه هذا العالم البشع، خالٍ من الانسانية والرحمة والشفقة  . وامام هذا الواقع المزرى، ترفض الاستسلام والخنوع، وانما تتوهج بنيران الرفض والتمرد عليه، وتقدم البديل للمأزق الإنساني الحاصل، هو الحب، هو الامل المتبقي الأخير في الانسانية  . في الديوان الشعري (النهر أنت يا حبيبي وأنا الافعوان ) اختارت الشاعرة ( أمان السيد ) ان تسير قصائد الشعرية في مسارين متوازيين في القصيدة وفي  الحب ، الذي  أحدهما يكمل الآخر بالحركة والفعل بشكل ترابط عضوي  عميق، والرابط هو الجسر الذي يتحرك عليه  الطرفين  على إيقاعات أنغام  موسيقى الحب . 

أي أن النهر هو الحبيب لا يكون متفاعلاً بالحركة والفعل إلا بعنفوان الحبيبة، وعدا ذلك يكون النهر جامد لا يتحرك، فاكسير حياته هو عنفوان الحبيبة. هذه المنصات الفكرية التي تصورها  في القصيدة، وتحاول إشراك القارئ بالتأمل والتفكير في مطلقاتها الفكرية والتعبيرية ، بأن كل الأشياء تحمل صفتين في آنٍ واحد، الاسود والابيض، يعني الحياة والواقع يقفان  على كفي ثور، والمصيبة الكبرى أن يتغلب الاسود على الابيض ، كما هو الحاصل فعلاً في  الواقع المنفلت من عقاله وعقله  الى اللامنطقي، اي ان المواطن أن يختار الموت، بين سندان الحروب العبثية، أو مطرقة الموت الازرق، ولكن بالمقابل الابيض اذا تغلب على الأسود،  تسير الحياة على سكة السلامة والأمان  . اي أن المسألة صراع، من يرمي سهمه اولاً ليصيب الهدف: الاسود ام الابيض  ؟  . هذا التناول الفكري العميق في الايحاء والرمز الدال، في العناوين الاجتماعية والإنسانية، اي بالحب تدفن به الأحقاد  والفتن، تطمر به الحروب وعذابات الانسان ، تزدهر به  الحياة بجمالية  للاستقرار والامان ، بالعقل والحكمة، من اجل حياة خالية من الأحزان  والمعاناة .  

نأخذ بعض من شذرات من قصائد الديوان الشعري:

× اصبحت الخرافة كنز ثمين للغابة السوداء والذئب يعوي فيها، بينما جماجم الأطفال  تطوف فوق مياه البحر، اكلة دسمة لحيتان البحر،  بالطفولة المغدورة  في قوارب الموت، والخرافة تغني على ليلاها،  كأنه كل شيء على ما يرام، لكن بالمقابل هذا الواقع المأزوم هناك من يزرع بذور القمح لتزهر  ورق النعناع والخزامى وزهر الليمون،  بالرفض  والتمرد على الواقع الذي يصلب القمر في  زواياه  الأربع . هذا الواقع المبني على جماجم الأطفال في البر والبحر  :

يبحثون عن خرافة

كل الفرسان يبحثون عن الخرافة

الصخور الشاهقة يعتلون

خرافة .... خرافة

صلاة ....... صلاة

حضور .... خرافة

راحة مغروزة في الطين تعويذة القمح

ورقة نعناع أخضر، زوفا

خزامى، زهر ليمون

نارنجة تشع في سفح قرية منسية

أكثر من عبق وأكثر  من صفحة للخرافة

وجدوا القمر مصلوباً

هناك في زواياه الأربع

الذئب يعوي

فوق البحر تتكدس الجماجم

البحر يودع الجماجم

يكسوها بالخزف ......

يحدق الأطفال  بلا وجل

في الجماجم يحدقون

جماجم الأطفال ينبت فيها الجمان ....  / من قصيدة : ويبحثون عن الخرافة 

× الطفولة تعيش مأساتها في البؤس والحرمان، ولا تجد الدخان الابيض نصيباً ان يغسل احزانها . وتأخذ الانسانية طريقها في احتضان الطفولة، وينقذها من الموت الذي ينتظرها، كأن الوطن أصبح المأوى المرعب للطفولة، ويدفعهم أن يكونوا طعماً للموت الازرق. الأطفال لم يتعرفوا على طفولتهم . التي ماتت حين جاءوا الى الحياة ،  ليكونوا طعماً للمعاناة والموت  . فما عاد العشق يعشق الحياة في هذا الواقع المتوحش، أو هذا الوطن المتوحش  .

في مكانٍ ما

قفز أطفال فوق الطفولة .

في سورية

أيها الوطن :

كيف يداك تستطيعان

أن تغسلا  وجهك كل صباح

وأبناؤك  صاروا أوراق حور في المسافات ؟

ما عدت أعشق

أُعذروني  إن

خلت وسائدكم من حريري،

في درعا

طعمُ الشرفات مختلفٌ

في عبق المارين بحذر الى الشغب اليومي

يرتدي الحب غلالاتٍ، عناقاً، قُبلاً

الموت الاعتيادي

يبدأ أزرق

ويطوف رمادياً، / من قصيدة : ومن الأبيض  تندلع الحياة .

× صوت الموسيقى والمطرب  يصدح بأنغام الحرمان الحزينة في الغربة، رغم صخب المكان . ولكن الاذواق متناقضة فمنهم من اهلكتهم اسفلت الطرقات، ومنهم من هو في فحيح الشهوة والاشتهاء . فمن يكترث الى صوت الشادي الحزين، ومن يكترث بعطر الورود،  ويطرد الامكنة المزيفة في روائحها . منْ يستطع ان يلبس ثوب الورد والحب، ويطرد آثام الامكنة المزيفة ؟ ويستمع الى انغام الموسيقى، موسيقى الشجن .

لا رائحة للأمكنة المزيفة

سينبتُ حبيبي .

الذي سيكسو جلدي بالورد

أيتها الموسيقى :

أنا من يلقح كل نفس منك،

كل نغمة كل أنشطارة،

كل شريان، كل لمسة،

وأحبو،

أحبو كأصابع عاشق فوق جسدي

أيتها الموسيقى :

لا رائحة للأمكنة المزيفة

في مدن لا تشبع من ،أنفاسي المبثوثة،

 لا تدعُ لي وقتاً

لأواصل ارتكاب  آثامي  / من قصيدة : ايتها الموسيقى

×تقدم الشاعرة صورة  الحب في صفحته الجميلة بالتقابل والمقارنة وفي التوازن . في الايحاء والرمز البليغ، في التصوير الفكري المدهش في ثنائية الحب بين طرفين، النهر هو الحبيب، و الأفعوان هو الحبيبة، والنهر بدون الأفعوان يكون جامد وساكن لا يتحرك ولا يفعل، وإنما عنفوان الحبيبة يعطيه اكسير الحياة في الحركة والفعل . ان يطمر الطحالب والاوبئة والنفايات ، ليكون ماءه عذباً في الجريان، أن يتدفق بالروح الانسانية في عنفوانها للحياة والجمال . ولا يمكن للضباب أن ينقشع إلا بالحب .

ذلك النهر الهادر المارّ

بالنّفايات والطحالب والأوبئة

يجرفها بالبراكين

يعرف أن المناجم لا تقتل إلا الضعفاء

الذين يُشَيّدون عروشا للسلاطين.

ذلك النهر هو حبيبي تتريّا فروعُه،

وصدرُه، وعنقـُه بالشهوات والحكمة،

هو أنا

حين يكشف عن شَبقه الأزرق،

وجنون جسده الضاجّ بالغوايات

فقط كي ينعش الضباب.. /  من قصيدة : النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان

× سيدني : المدينة التي أطلقت جناحي الحرية والجرأة، ان تحلق النوارس في سماء خالية من قناص برع في تكميم الأفواه، لتكون الحياة جافة في قيظها الساخن دون نسائم من الرياحين، لنضع التيجان  على رأس ( سيدني ) رغم ما تحمل من غرائب الامزجة والاهواء، فهي  زاهية في نسائم الحرية والحب، كما هي زاهية في أبراجها العالية  .

نطاف عطور

أبراج تسمق في اختلاج  الرياح

سبائك ليلك نشوان

جيدُ سماء ينحت هوى وصبابة،

سيدني العفريت المارق الشاعر مزاجي الأهواء 

في أوبرا هاوس

القباب قبعات تنحني أجلالاً وخفرا

لألق بماء  التّولّه  يتدفق .

من فقهوا عزيف الجن يتصايحون :

التيجان لأجلك سيدني

لأجلك سيدني ..... التيجان تتكلّل ! . / من قصيدة سيدني  

× الكتاب : ديوان شعر : النهر أنت يا حبيبي وأنا الافعوان

× المؤلف : الشاعرة أمان السيد

× الطبع : دار البيان العربي / للطباعة والنشر والتوزيع

× الطبعة الاولى : عام 2021

× عدد الصفحات : 106 صفحة

          جمعة عبدالله

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

أخي الناقد والمترجم الرائع جمعة عبد الله، 

غوصك فيما تتناول عميق في مكامن النصوص وما تحويل من مضامين شكلا ومعنى. هذا النشاط الغزير دلالة الحرص والمتابعة الغنية.

دمت مبدعا اصلا.

ارجو ارسال ايميلك لي كي ابعثه إلى الشاعر ضرغام عباس.  لانه أصدر مجموعته البكر وجود إرسال نسخة الكترونية لك فهل ه

مع تقديري ومحبتي 

جمعة عبدالله

24-02-2022 02:07

استاذي الكبير عبدالستار نور علي ..............

بكل سرور ومحبة ارسل لك ايميلي وهو ........................

jamah.abdala@gmail.com

مع تحياتي ودمت بخير وصحة

التعليقات

إدراج الإقتباسات...