لا شك أن المهتم بالشعر لاحظ أفول أو على الأقل خفوت نجم ما سمي في حينه بشعراء الحداثة ، هذه الحداثة المزعومة التي ركب ظهرها الحابل والنابل وشهد الشعر فيها هجمة شرسة عليه كادت تودي به لولا يقظة بعض الغيورين عليه وتفطنهم لما يراد به ومراجعة بعض “الحداثيين ”لأنفسهم ولمواقفهم.
ما زلت أتذكر انني قرأت حوارا لأدونيس بإحدى المجلات الخليجية وهو يتحدث فيه عن أنه مبعوث من أجل تخريب اللغة و تفجيرها، و قد فهم القراء أو لنقل بعض القراء هذه المقولة فهما غير الذي أراده صاحبها منها فكان من المغضوب عليهم هناك، لكن هناك من أخذ برأيه سطحيا و صار “يخرب” و“يفجر” حتى انتهى به مشواره “الحداثي” إلى الإفلاس.
و أتساءل هنا:
– هل هناك حداثي ما زال على قيد الحياة يتفضل هنا مشكورا ليحدثنا عن الإكسير الذي استعمله فحقق به الاستمرار لحد الآن؟
بصراحة أتأسف كثيرا عندما أرى الشعر وقدحشرت في خانته نصوص تخرق أبسط قواعده كالتتابع الحركي مثلا و أسلوبها أسلوب نثري بحت ،و مع ذلك يريد أصحابها أن يقنعونا بأنهم شعراء، وأنا شخصيا صرت لا أستغرب من قارئ لايعرف الشعر ولكنه يعتقد أن كل ما قرأه هو بالفعل شعر ،و إنما أستغرب من الذين يكتبون هكذا نصوصا ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم شعراء، وللأمانة فبعض هؤلاء لا يزعمون ذلك، إلا أن العجيب في أمرهم أنهم يناقضون أنفسهم حينما يتحدثون عما كتبوه بأنه من صميم الشعر.
المشكل القائم هو أن الشعراء الحقيقيين استنكفوا أن يقفوا في وجه هذا المد الطاغي للشعراء المزيفين بسبب أن بعضهم يشرف على منابر إعلامية ثقافية، وأن الوقوف في وجههم يعني الحرمان من النشر في تلك المنابر، وهذا بالضبط ما حصل مع الشاعر محمود درويش الذي كان يداهن النثريين (كتّاب ما يسمى بقصيدة النثر) حتى لا يحرم نفسه من نشر نصوصه في المنابر الثقافية التي يشرفون عليها.
قد يتوهم البعض أنني ضد قصيدة النثر بينما في الواقع أنا ضد التسمية لأنها تبدو متناقضة مع نفسها (القصيدة+النثر) وهما شيئان كالماء والنار لا يجتمعان وكالخطين المتوازيين اللذين من المستحيل أن يلتقيا في نقطة ما، كما أنني ضد الادعاءات الفارغة من الأساس التي يتهم بها النثريون الشعر التفعيلي والشعر العمودي، وهي ادعاءات تريد أن تبطل الحق وتحق الباطل،فالشعر الحقيقي يستمر و يبقى و الزائف سيبقى متهافتا و مآله إلى الزوال.
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !
لا يوجد اقتباسات