العزف على جراح الغربة في الديوان الشعري ( رَجاء على شفاه العدم ) للشاعر عادل الحنظل
الغربة تضرب في وترها الحساس في البعد والفراق والاشتياق للوطن , بوجع مؤلم . تتجلى نيرانها في قصائد الديوان الشعري , في تأثيرها المؤثر في داخل جوانح الشاعر , ينقلها بصدق مشاعره الى القارئ والمتلقي ,ويدلل على وحشة الغربة والاغتراب مرتبطة بالعلاقة مع الوطن , بفيضها الموجع بما يجري في ربوع الوطن اليوم , نلمسها بوضوح في تجدد تبعيات الصراع الازلي المحتدم بين قطبين متصارعين الى حد كسر العظم بين القاتل والمقتول , أو الجلاد والضحية , أو الحاكم والمحكوم , في هذا الصراع غير المتكافئ , يجعل الوطن مشطوراً الى قسمين , طالما شريعة الجور والحرمان والحيف , هي السائدة والمسيطرة على خناق البلاد . مما تؤجج نيران الأحزان بالمعاناة الظروف القاسية , كأن الوطن أصبح غابة تحكمها الوحوش الضارية والكاسرة . تحكمها غربان الشؤم , مما تخلق شرخاً عميقاً في بنية المجتمع . هذه المعاناة الموجعة , تثقل هموم وقلق الشاعر , حين يصبح مصير الانسان في مهب الريح , مما يؤدي الى مضاعفة الحنين والشوق والاشتياق , ويأمل بكل جوانحه الصادقة . أن تخرج البلاد من الدهاليز المظلمة ويقف على قدميه منتصب القامة , لا أن يكون ملعباً يلعب به غربان الشؤم وخفافيش الليل , التي لبست بردة الدين زوراً ونفاقاً . ان وجع الوطن والغربة تمتزج وتتجلى بوضوح في القصائد الشعرية للديوان . فقد أصبح البلد الرافدين , يباع بالجملة في المزاد الأجنبي الطامع بجشع وعدوانية أن يجعل العراق في جيبه , أو في راحة يديه , بكل عنفوان النفوذ والوصاية والانتداب . يقتفي آثار الصراع الناشب في الغدر والخيانة , في أول جريمة في التاريخ الإنساني , حرب الاخوة الاعداء , كأن زمن ( هابيل وقابيل ) يتجدد اليوم في ابشع صوره السلبية , من أجل صولجان العرش والنفوذ , في نزاع طائفي وحتى الخصام ولعلعة الرصاص بين أبناء جلد المذهب الواحد , الأخ يقتل شقيقه أوشريكه في الدين , أو شريكه في الخلق , كما يقول الامام علي ( ع ) (إما أخ لك في الدين , أو نظيرك لك في الخلق ) , لقد طفحت العدوانية والغدر والخيانة على المشهد السياسي , وأصبح اسيراً لشريعتها , مما يزعزع القلق الوجودي بشكل سيء على الحاضر والمستقبل . كأن جريمة انتصار ( قابيل ) على سفك دماء شقيقه أو دماء الآخرين . هي الاقوى
قابيلَنا .....
فينا خليففتُكَ الذي
وَرَثَ الخديعةَ كي ينالَ المُبتغى
في نسغِهِ تجري دماؤكَ
إذْ نَحَرتَ أخاكَ
كالصيدِ الحلالِ .... وما طغى
لو كانَ ذئبُّ
قيلَ وحشٌ كاسرُ
لكنَّ إنسانا على شكلٍ الالهِ
هوَ اللئيمُ الغادرُ / من قصيدة : قابيل .
الإحساس بالغربة هي السوط الذي يجرح اعماق القلب . ويزيد من النيران التي تلتهب في مشاعر الذات , حينما يتحول الوطن الى بقرة حلوب للأجنبي ويحرم من حليبها أبناء الوطن . هكذا ما تفتقت قريحة اللقطاء , وكل رجل دين داخل عمامته شيطان بعفونة كريهة , أن يتحول الوطن الى سلعة رخيصة تباع في المزاد الرخيص , او يتحول كالمرأة تدور على كل نذل وسافل يبارك ذلها لترمي في حضنه ثمرها , وتمنح حليب ضرعها بالمجان للجيران و تحرم أبناءها من نعمته بالحرمان والحيف المتعسف .
وطَني كإمرأةٍ تَدورُ بضَرعِها
تَسقي بهِ نَذلاً يُبارك ذلَّها
كالنَخلةِ العَيطاءِ والعُوجاءِ
تَرمي ثَمرَها
في صَحنِ جيرانٍ
وتَحرِمُ أهلها
وطني يرى اللُقَطاءَ من خُلَصائهِ
والمُخلصينَ أذَمَّ من أعدائهِ
هل لي فّخارٌ أنَّ في بَلدي
تّحدّثّ منذُ آلافِ السنينِ نَبي
فمُجدَ ذكرُهُ
وامتَدتِ الأديانُ في أرجائهِ .
لا أفهمُ التاريخَ إلا حاضِراً . / من قصيدة : لولا ثراك .
وصل حال البلاد الى الاسوأ بالتراجيديا السريالية ( المضحك / المبكي ) , ان تجف الأنهار والروافد . وكان العراق منذ نشؤ التاريخ والحضارة , يتباهى بتسمية بلاد الرافدين والسواد , لكثرة المزارع والحقول والنخيل . لكن اليوم يستجدي ويذرف الدموع كالشحاذ البائس , فتات قليلة من المياه , لقد نشف الحقل والزرع والنخيل , وراحت تبكي على مصيرها الاسود بالجفاف , يحولها الى صحارى , والانهار الى طين . والآن يستحق تسمية بلاد القهرين .
تَظمأُ فيكَ الشُطآنْ
يا نَهراً يستجدي الماءْ
يَعجزُ في خصرِكَ دَلوٌ
لا يَغرفُ غيرَ الطينِ وأقذاءِ الأدرانْ
هَجَرَتكَ عُيونُ التوتِ وأقراط ُ الكَرْم
نَفضَ الصَفصافُ عليكْ
آهاتٍ حَملتْها ذبلى الأوراقْ
وانسَدَلَ السعفُ على الجذعْ
وتهاوتْ فَوقكَ عطشى الأعذاقْ
والطلعْ ....
يأبى أن يمنحَ خصباً ليتامى النخلْ
كي لا يذوي فيها التمرْ . / من قصيدة : ا نهراً يستجدي الماء .
الحب الإنساني لا ينظر الى مفاتن جسد بغريزة شهوانية مبتذلة , كأنه ينظر الى المرأة كبضاعة جنسية تباع وتشترى . بل الحب والعشق , ينطلق من عواطف ومشاعر انسانية صافية , ينظر الى المرأة كشريك انساني في الوجود , بل تستحق ان يضعها في مرحلة التقديس في العشق وغزيرته العاطفية .
قالَ صَحبي
جئتَ بالحب رسولا
تُجهِرُ الدعوةّ تأبى المُستَحيلا
قلتُ إني مُؤمنُّ ....
هلْ في الهوى
شرعةٌ قبلي
تجنت فيه قبلا
÷÷
جَسدُ المرأة قد أنزلتْهُ
منزلَ التقديسِ أذ يسمو
جَميلا
فيهِ عشقي ,
أن يراهُ العاشقُ الأشقى
سبيلا . / من قصيدة : اجعليني آيةً .
ولكن هناك شوائب في الحب , حين يبحر عكس التيار, فيكون طريقه وعراً مليء بالمطبات والعيوب والعثرات . كأنه يمشي في حقل الالغام , أو ان يتحول الى ساحة حرب , بدلاً من ساحة عشق وهيام . عندها يكون هذا الحب عارياً , كالشجرة العارية من اغصانها , واوراقها الخضراء تذبل وتموت , فيذبل عنفوانه ورونقه وجماله , ويصبح لعبة يمارسها المهرج في فنون السحر . أو يعزف على الاوهام .
لا يوجد اقتباسات