انزلاق نفس لوامة

انزلاق نفس لوامة


انزلاق نفس لوامة

الحسين بوخرطة

تعود سالم أن يقضي متأملا عطلة ساعات يومي نهاية الأسبوع في قرية الأجداد الأشاوس. حج كالعادة إلى بيت جده العلامة عبد الرحمان. خرج منشغل البال على التاسعة ليلا من منزل العزة والشرف في المنطقة. ارتكن في أسفل الشجرة المباركة المقاومة للتصحر وانجراف التربة.

شُحِنَ أملا عندما داهمه ضياء القمر، وأحاط مِخياله نورا ساطعا. مُتكئا على جدعها، مُشرئبا السماء بنجومها البراقة، افتكر صديق طفولته وشبابه عتريس. أقلقه ما يردده الناس في شأنه. لقد أصبح ضحية سهاد مُزْمِن. يخاطب نفسه كالأحمق جهرا في الشارع العام. حكى عنه أحد المتربصين به أنه سمعه يردد أكثر من مرة، والدموع تغمر المآقي، العبارة التالية: "أذن ذات سراب حياة مسخرة تعيسة تنتعل حذاء وبر الجودة النادر، الذي لا يريح الأرجل المنتعلة". تذكر سالم اللحظات العسيرة التي بدأ صديقه الحميم يبتعد عنه بالتدريج، متجنبا الدخول معه، كما ألفا ذلك، في حوارات شيقة في مجالات الفكر والمعرفة والسياسة.

أدرك سالم مغزى مستجدات أوضاع صديقه الحميم بسرعة. أخرج هاتفه الخلوي. ركب أرقامه بتركيز شديد. ردد على مسامعه نفس العبارة بلكنة المستوعب لدلالتها الخارقة، وختمها : "إنه مسار انزلاق نفس لوامة وضمير حي. يا ما اقتنينا معا أحذية بسيطة ومريحة بأُجرتينا المستحقة، وكنا نعيش السعادة العارمة". تنهد عتريس من الأعماق وختم المكالمة الهاتفية بعبارة حزن وأسف، استسلم على إثرها سالم للبكاء والشهيق : "لقد فات الأوان".

 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...