تهافت الأدباء والنقاد

تهافت الأدباء والنقاد


 

1/

قبل سنوات. وكانت الصحافة الورقية هي الرائجة آنذاك ولم تكن الإلكترونية قد اكتسحت الساحات الثقافية كما اليوم كنت أواظب على شراء صحيفة عربية لا أريد أن أذكر اسمها والبلد الذي تصدر فيه. لدواعي أخلاقية. ولم يكن يعنيني من هذه الصحيفة سوي صفحتها الثقافية. وقد تابعت فيها مقالات شيقة وكانت عبارة عن ردود واتهامات ومعارك حامية الوطيس بين كاتبين عربين أعترف لهما ببعض الفضل علي. 

إذ أستطيع أن أقول إنهما ساهما مع كتاب آخرين في تكويني وصقل وعيي الأدبي 

كلا الكاتبين يزعم أن صاحبه سرق منه عنوان روايته. وتحولت هذه الدراما إلى مادة أدبية دسمة ونافذة واسعة من خلالها تعرفت على مكنونات الكاتبين ورؤيتهما للإبداع ونمط تفكيرهما الأدبي. كلا الكاتبين اعرفهما معرفة شخصية. أحدهما منفتح جدا واسع الثقافة ومتحرر نوعا ما وغزير الإنتاج والآخر شيوعي مرح وقومي محب للتراث.

كلما فكرت أن أكتب عن تلك المعركة وخفاياها التي أعرف بعضها وبعضا من مثيلاتها الكثيرة. لا تطاوعني نفسي وأعدل عنها إذ الكتابة عن مثل هذه الأشياء في نظري مجلبة للأحقاد وليست ذات فائدة. ثم إن أحد الكاتبين قد أفضي إلى ربه رحمة الله عليه ولم يعد من المناسب ذكر ذلك الحديث.

معركة العناوين تلك في نظري تجسيد حي ودليل ساطع يعكس أوهام الأدباء الكثيرة وصراعاتهم على الريادة والتفرد وحب المنصب وهي متأصلة في الفكر الأدبي العربي وقلما يخلص كاتب من هفواتها أو ينجو من عثراتها.

 وعادة ما يتم توصيفها بأنها داخلة في باب السرقات الأدبية التي تناولها النقاد القدماء والمعروفة. دون النظر إلى زاوية توارد الخواطر والأخذ بمعاذير المتنبي أن الشعر "الأدب" جادة قد يقع فيها الحافر على الحافر وأنها خاصية ليست خاصة بالأدب العربي وانما تنسحب على الإبداع في جميع الثقافات.

 مع أن المسألة لا تسلم دائما من الاعتبارات الإيديولوجية وعوامل الحسد والغيرة والتنافس بين الأدباء. علي الشهرة والمنصب والمال.

بعض الأدباء يري في عناوين كتبه وأفكاره ولغته مناطق محمية محررة لا ينبغي لأي كاتب أن يرتادها أو يأخذ من خيراتها. ناسيا أو متناسيا أن الإبداع ركام معرفي ولا يمكن أن يتأتى لأحد دون أن يقرأ تجارب من سبقوه أو الذين في عصره. و أن الخليقة جمعا تكتب نصا واحد كما قال جيرار جنت. 

 من الغريب في هذا السياق أن بعضهم وصل به الأمر إلى حد بعيد من السخافة فصار يرى كل "طوق الياسمين" له علاقة بكتابات الكاتب الكبير واسيني الأعرج وعوالمه بدليل أن له كتاب بهذا العنوان. والأغرب من ذلك أن تجد الناقد يصر على التأثير والتأثر بالكاتب ويسقط نظريته راسما التقاطعات بين الكاتبين. في الوقت الذي قد يكون فيه اشتراك الكاتبين في العناوين مجرد توافق ومحض صدفة وليس بالضرورة أن يكون نتيجة تأثر بالكاتب. وبعضهم يشتط كثيرا حتى إنه يعيب على الكاتب استخدامه لمفردة استخدمها من قبله متناسيا أن اللغة ملك للجميع وكل كاتب تنتسج في أسلوبه ولغته آلاف الأساليب والكلمات بوعي منه ودون وعي. وليس من عيب أو سرقة في ذلك.

2/   

النقد اليوم في كثير منه أصبح سلطة لها مافيات واغراءات. تمارس القمع الفكري على الكاتب وتسعى لتكميمه وتحطيم معنوياته. وتساهم في تأسيس وتكريس الرداءة لم يعد النقد تجربة وخبرة وممارسة وتفكير في العمل الأدبي كما كان مع الرواد مارون عبود في مختبره، وطه حسين في الشعر الجاهلي، ونعيمة في غرباله، وغيرهم. وطبعا هناك نقاد متميزون لكنهم يشكلون حالات استثناء. رغم اختلاف مدارسهم ومنطلقاتهم مثل: عبد الله الغذامي، وجابر عصفور، وعبد السلام المسدي، وعبد العزيز حمودة، وعبد الملك مرتاض، وسعيد يقطين، وحسين سرمك، وحاتم الصگر، وصلاح فضل، ومحمد مفتاح، وغيرهم.. لكن الغالبية العظمى من النقاد اليوم لا علاقة لهم بالنقد  ومعظمهم باحثين أكاديميين لصقت بهم تسمية نقاد أكاديميون لذلك ليس غريبا أن نرى ارتحالات هنا وهناك وتخبطا في الممارسة النقدية. وليس عجيبا أن نرى تقديماً للكتب الأدبية من غير متخصصين وأن يشيع "النقد المقدماتي" كنوع من النقد الموارب من قبل اشخاص يقحمون أنفسهم في أشياء ليست من اختصاصهم جريا وراء الشهرة او استجابة لصداقة او رابطة قرابة أو شيء آخر. فتجد طبيب بيطري يحدثك في أدق جزيئات الفنيات السردية أو تاريخ ظهور الأجناس الأدبية فتحار. طبعا ليس لأحد أن يحجر على أحد في المعارف. لكن احترام التخصص مطلوب في كل شيء. وأكثر ما يحرك هؤلاء النقاد هو المجاملات والبحث عن الشهرة وليقال عنهم موسوعيين.

 من النقاد من يصاب بالغرور فيرى نفسه عالماً بكل فن وفوق كل اعتبار وليس لأحد أن يناقشه أو يعترض عليه ويسعي جاهدا لتوظيف ترسانة من المناهج المعلبة والمنتهية الصلاحية على كل مكتوب. حتى وان لم يكن المنهج يصلح فيلجأ إلى التكييف القسري. ولا يفكر أو يأخذ بالسياقات الثقافية التي انتجت هذا المنهج أو ذاك، وهو نفس الغرور الذي يصيب بعض الأدباء بوهم الخلود والعبقرية حتى تنتفخ أوداجهم. وعندما يسألك أحدهم إن كنت قرأت له فإن قلت له إنك لم تقرأ له ينظرك بنظرة شزراء وعلى شفتيه ابتسامة صفراء ويغمغم في نفسه: كأنه يقول لك أنت جاهل؟ لأنك لم تقرأني!

تهافت الأدباء كثير، ولمن يريد أن يقف عليه أكثر أن يراقب ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من زيف وخداع. فالكاتب الذي لا تمطره صباحا ومساءا بالإعجابات والإطراءات سيرميك أولا بالجهل وضيق الأفق وقد يهجوك وبعدها سيحذفك من قائمة أصدقائه نهائيا. وعليه فحذار إن سألك كاتب عربي عن كتبه ان تقول له إنك لم تقرأها. وحذاري أيضا أن تقول لناقد أن منهجه معقد أكثر من اللازم وأن تطبيقاته على النصوص غير موفقة. أو أنه قديم، أو يدعي في العلم فلسفة. كل ذلك سيجعله يستشيط غضبا وسيرميك بالجهل المطلق. 

************

بعض الأدباء لا يقيم وزنا للغة /يكسرها ويشوهها. ويعتقد أن ذلك تحررا. وينسى أن للغة قواعد تواضع عليها أهلها ولها تاريخ وأنه لم يخلقها. وإنها عاشت قبله بآلاف السنين. يتجاهل كل ذلك فلا يتعدى ما يكتب لحظته تلك. ثم يطمره النسيان وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء وثنيون ومتواطؤون ضد الله وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء يلاحقه الفشل الذريع في كل حياته لذلك تعود أن يسب الخالق العظيم وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء لا يخلص حياته لما يكتب وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء يخفي ذاته أكثر من اللازم عندما يكتب وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء يظهر ذاته أكثر من اللازم وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء يأكل كما تأكل الأنعام و لا يعنيه الوجود في شيء وكذلك بعض  النقاد.

بعض الأدباء يحب الحرية ويدعو للعبودية فيما يكتب وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء يؤله ذاته وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء لا يشبع من التفكير المتحرر واجترار الذات. 

وبعض النقاد لا يمل من التجريد البعيد واللف والدوران 

بعض الأدباء يعمد إلى التعقيد المبتذل وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء لا يعيش لفكرة ولا لمبدأ وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء مهووس بالشهرة وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء يحب المال حبا جما وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء مغرور بالإثم وكذلك بعض النقاد.

 بعض الأدباء كارثة على الأمم وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء لا يعرف غير النفاق فيما يكتب وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء لا يعرف غير الكذب والخداع فيما يكتب وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء يبيع شرفه كل يوم مقابل المال وكذلك بعض النقاد. 

بعض الأدباء يسرق ويظل يسرق ويسرق حتى آخر لحظة في حياته وكذلك بعض النقاد.

بعض الأدباء وما أكثرهم ليس له من صفة الأدب شيء وكذلك بعض النقاد.

------------

حمود ولد سليمان "غيم الصحراء " كاتب موريتاني /العيون /1970م درس في ثانوية العيون وجامعة نواكشوط حصل علي الإجازة في الأدب العربي 1998 ثم الماجستير في الأدب العربي /جامعة الجزائر / 2005 صدرت له عن الجاحظية /تجمعنا سفينة واحدة /2003 له اعمال لم تنشر بعد

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...