رواية الأخوة الأعداء---- وعوالم دوستوفيسكي بقراءة مغايرة

رواية الأخوة الأعداء---- وعوالم دوستوفيسكي بقراءة مغايرة


 

المقدمة / أنني من عشاق الأدب الروسي بيد أن مشكلتي مع غياب الدقّة وركاكة  المترجمين العرب وأتبعت أضعف الأيمان بما أجمع عليه أبرز أدباء ونقاد العرب بأعتماد المترجم والأديب الدبلوماسي العربي الراحل " سامي الدروبي " المتخصص بالتراجم الأدبية الروسية ، الذي أصبغ على عنوان الرواية سيمياء جلب أنتباه القاريء ب " الأخوة كارمازوف " أقتنعتُ بالعنوان بيد أني أعطيته العنوان المريح والمفهوم والأصح والأدق " الأخوة الأعداء " ولقد أجمع فنانو مصرعند تحويل الرواية إلى فيلم أعطوه عنوان ( الأخوة الأعداء) والتي هي محور رواية ديستوفيسكي ( الخير والشر ) وأضيف طغيان الشر والعدوانية بين الأخوة ، حين نرى خلال الجزأ الأول من الرواية يسبغ الأسرة المفككة العرى (بديستوبيا) الأسرة الشريرة والسيئة بيد أن هذا الروائي الفذ بعبقريته وحبكته السردية الرائعة يعلن من خلال آيديولوجيته اليسارية التقدمية إنه يريد الأسرة الفاضلة والخيرة والتي ترقى إلى (المدينة الفاضلة) الأفتراضية المرجوة والواعدة بالخير والسلام !؟ .

ولقد أجمع المفكرون وعمالقة الادب العالمي أعتبار رواية الأخوة الأعداء واحدة من أروع الأنجازت الأدبية العالمية كونها عالجت تطلعات الأنسان السايكولوجية النفسية والسوسيولوجية الأجتماعية كالعلاقات العائلية وتربية الأطفال وعلاقة الفرد بالدولة والكنيسة ، وتحولت الرواية إلى فيلم مصري عام 1974 بعنوان " ألأخوة الأعداء " بطولة نور الشريف وميرفت أمين .

الموضوع / دوستوفيسكي واحدٌ من أشهر الكتاب الروس ، وأفضل كتاب العالم ، تركت أعمالهُ أثراً على الأدب في القرن العشرين ،  ورواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية ، تفرّس وتأمّل في  نفوس ورغبات البشر أحلامهم طموحاتهم ، وتلك الصراعات الداخلية بين الأنسان ونفسهٍ وبينهُ وبين الآخرين  كما قدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والأجتماعية والروحية لروسيا في ذلك الوقت ، والعديد من أعمالهُ المعروفة تعد مصدر ألهام للفكر والأدب المعاصر ، فهو كاتب قدير وعالم نفس محترف وفيلسوف فهم سايكولوجية أعماق النفس البشرية في زواياه المظلمة  ، ورجل دين لاهوتي ومخابراتي بوليسي كما ظهر في روايته " الجريمة والعقاب " ،  ففي عالم دوستوفيسكي تتصارع الأضداد الخير مع الشر ، الحقيقة مع الزيف ، الرحمن مع الشيطان الخلود والحرية ، والعدالة السماوية والأنسانية والغريزة ، الجنون والتعقل ، الأضطراب والأعتدال وبين الجن المارد الشرير والجن الملائكي المسالم  ، وبين الأنسان السوي والمراهق ، وبين الأهبل والعاقل السوي وكل ذلك في أعماق نفس الأنسان  (أقتباس الفكرة من كتاب الأضداد للفيلسوف الألماني هيغل ) .

وهنا حسب قراءتي المغايرة للرواية أرى أختلافاً فكريا بين هيغل وماركس – أعني التوجهات الفكرية لديستوفيسكي الماركسي – هيغل يعتبر الوعي سابقا للمادة لذا يعتبر التناقض مصدر جميع الظواهرعبرالأحتدام التأريخي لصراع الأضداد يولد الجديد وبالتالي يوصلنا هيغل ألى الأمل الواعد أن الأستعمار والتسلط يزول بعد أشباع المجتمعات تأريخيا من صراع الأضداد ، وهنا ربما أعتقد من فلسفة هيغل : أن نهاية الأخوة الأعداء الصفاء والسلام ، أما العم ماركس يسمي صراع الأضداد ب ( الصراع الطبقي ) حيث يعتبر المادة سابقة للوعي على أعتبار أن المادة هي التي تحدد مخرجات الوعي الذي بدوره يحتاج للمادة في تطوره ، وحسب نظرية حتمية التأريخ ألى أضمحلال وزوال التسلط والتغوّل وبالتأكيد يعني أيضا نهاية الأخوة الأعداء الصفاء والسلام  ، ورمزية الحبكة السردية للروائي العبقري ديستوفيسكي هي النظام القيصري المستبد .

وهكذا هو الأمر في الأرض والسماء ، لذا أن قراءة  ديستوفيسكي تتطلب الأنصاف والتأمل وذلك من أجل الدخول إلى الروعة الكامنة في أعماق الواقع ، فهو يدفع الأنسان بأن يميّزْ بين الخير والشر ، ويرى: أن نهب محبتنا للرب أحراراً دون أن ننصاع لهُ عبيداً .

يقول فيه ( فرويد ) تعلمتُ سلوك النفس البشرية من روايات ديستوفيسكي ، وقال فيه الفيلسوف هيغل :( يمكن أن يكون في موقع النبي المصلح) ، وأمتدحهُ الفيلسوف الوجودي " مارتن هديجر " وعالم الرياضيات الحديثة " لودويك ، وعالم الفيزياء " أنشتاين  " وقال فيه الفيلسوف والناقد الأمريكي ( جوزيف فرانك في كتابه " ديستوفيسكي بذورالتمرد " 1976هو من كبار الميتافيزيقيين الذين أنجبتهم روسيا في تأريخها كلها ، فهو ليس فقط كاتبا كبيراً وأنما مفكرا كبيرا ) .

أذاً فهو أيقونة الرؤى الأنسانية الخيرة ، فهو ذلك الروائي الروسي عليم بميتافيزيقيا الكينونة البشرية وبنهايات ممزوجة بالبراكماتية مطابقة للواقع ، تمكن من فك شفرة الأنسان والغوص في أعماقه ، تمكن من أن يلخص البشرية بأكملها ضمن صفحة واحدة فقط ، أي عقلٍ أي روحٍ أية أمكانياتٍ  وأي أيمانٍ وأية طاقة وووأي فكرٍ يحملهُ هذا الرجل ؟؟؟ في صراعات البشرية جميعها تتجسد بعوالم يصنعها على الورق لشخوص خيالية بقدر ما هي واقعية ، وله 69 منجزا أدبياً ، ولد في موسكو عام 1821 – 1881

سايكولوجية الأخوة الأعداء

الأخوة كارمازوف رواية الكاتب الروسي " فيدور دوستوفيسكي " تعتبر تتويجاً لأعمالهِ الأدبية العملاقة ، وتتكون من أربعة أجزاء لتبقى ملحمة أسرة ريفية صغيرة مشتتة الأفكار مختلفة الآيديولوجية ، كلٌ منهم عالم خاص بذاتهِ  ، وظاهرة أدبية فريدة في الأدب الروسي والعالمي  ، أمضى قرابة عامين في كتابتها عالج فيها الكثير من القضايا التي تتعلق بالبشر كالروابط العائلية وتربية الأطفال والعلاقة بين الدولة والكنيسة مسؤولية كل شخص تجاه الآخر، تنقل المتلقي إلى صراع عائلي محتدم بين الأب و ثلاثة أبناء وربما أبن رابع لقيط غير منسوب لهُ ، صراع يدور حول المال والشهوة والوجود والألحاد ومشاكل الكنيسة الأرثدوكسية ونقل تلك الخلافات الفكرية إلى الأسرة المفككة على مسألة اللاهوتية أم رهبانية أم تنظيمية ؟ والمناكفات الشديدة بين الوجودية المتمثلة ب(أيفان) ) والأبن الثالث ( أليوشا ) المسالم ، فهذه التيارات المتصادمة والمحتدمة تعصف بالأسرة إلى المجهول والضياع وبنهاية تراجيدية مأساوية ، بالأضافة إلى كون رب الأسرة  ( فيودوركارامازوف ) رجل فاسد متصابي فظ كاذب ومهرج شهواني فهو الجانب الشيطاني من الأنسانية كان في صراع مرير وتنافس عشق محرم في الأشتراك مع أبنه الثاني الكبير ( ديمتري ) في علاقة غرامية وجسدية مع (غروشنكا) تلك المرأة العاهرة تصل أحياناً إلى العراك والصخب والتهديد بالقتل ، وفعلا قُتل الأب بيد  (سميردياكوف ) الأبن الغير شرعي والمصاب بالصرع لتخليص الأسرة من شروره ، وآلت تلك الأسرة إلى المجهول ، والمحكمة حكمت على( أيفان ) البريء بالمؤبد ظلما ، ولم يتحمل الصدمة أصيب على أثرها بالجنون والهذيان ، والرمزية في الرواية هنا يقصد الكاتب فساد ( القيصر) الذي هو على رأس السلطة القيصرية المستبدة بالأشارة إلى تيودور كارامازوف، وضياع وتشتت الشعب الروسي ، وأتهم بالهرطقة وهي التهمة الجاهزة لدى الكنيسة ، ونفي إلى سايبيريه .

 

رؤى شخصية في تجليات عوالم ديستوفيسكي في رواية الأخوة الأعداء بقراءة مغايرة بعض الشيء

- الرواية عمل أدبي مكتمل فنياً فرض وجودهً بقبول ورضا فلاسفة عصره وكتابهم وباحثيهم ، وتمكن بجدارة أن يدخلها في خانة  (التراث الأنساني ) وبصفوف الأعمال الخالدة الأنسانية الضخمة : كوميديا دانتي ، الفردوس المفقود لملتون ، تراجيديات شكسبير ، الحرب والسلام لتولستوي ، وهي خلاصة فكر ديستوويفسكي بأكمله ، والغريب الذي لمسته في الرواية كأني أمام فرويديات الهوس الجنسي ، ووجوديات الفيلسوف الفرنسي( أندري جيد ) ، وفلسفة معرة النعمان ( المعري ) بالكتابة على رمسه " هذا ما جناه علي أبي ولم أجني على أحد يقصد أرث جينات الجدري  ، فكانت سياط جلد الذاتي على ظهرالأب  (فيودوركارامازوف ) المصاب بالصرع ونقل جيناته لأبنه الصغير ومات أثرها .

- وحول الرواية ببراعة سحرية إلى رواية بوليسية جعل القاريء لا يهتم بالقاتل أكثر مما يهتم بالأسباب والدوافع بالوجود الأنساني وتعريتها من جلبابها المزيف بتحليل وثيق لكل شخصية فأوصى بنظرية سايكولوجية : أن مقياس درجات الرذيلة هو مقياس واحد بالنسبة للجميع وحتى أن أختلفت بالدرجات لأن لطخة السوء تبقى (من كتاب الأخوة كارمازوف – ترجمة سامي الدروبي 2010) .

- فديستوفيسكي أسس لنظام طبقي طوباوي شبيه بالمدينة الفاضلة الفنتازية الخيالية ، فهو النظام الذي لا يقوم على عرق أو دين بل على الأخلاق ، وكان محور البناء الفني للرواية هو الخير والشر في نزاع شرس وقتال دموي بكافة الأسلحة المحرمة لينتصر أحدهما ، فأوهم الشر نفسه أنهُ المنتصر في الرواية بقتل الأب وسجن الأبن مؤبد في سيبيريا ، وموت الأبن الغير شرعي القاتل الحقيقي بمرض الصرع وأختفاء حيثيات الجريمة إلى الأبد  ، وضياع الأسرة ، لكن بقاء الأبن الصغير ( أليوشا ) البراءة والطيبة والجمال فهوالأخ الورع النقي والمسالم الشمعة التي تضيء دروب الأسرة المظلمة وهذا يعني بقاء الخير والسلام والوئام وقبول الأخر هو المنتصر في النهاية .

--الأرهاصات البشرية وأنفعالاته لا تخضع للمنطق بل للغضب والعجز والأستسلام .

- الأدوات السايكولوجية لدى الأنسان بنظر ديستوفيسكي هي :

1-العقل  

2- الذات " اللاوعي الباطني "

3- الدين كمسكن 

4- الأنتحار حين لا يجد معنى للحياة

-ينظرإلى الأنسان بأعتباره كائناً ميتافيزيقياً مخرجاته السلبية والأيجابية من اللاشعور واللاوعي والعقل الباطني .

- يركن في تفسيراته عن هذا الكائن البشري إلى التفسيرات الفرويدية  من اللاوعي والعقل الباطني .

- إنهُ يركن إلى الأنتحار لأني وجدتُ – خلال قراءتي للرواية  وخصوصاً في ملاحظة ظاهرة الأنتحارمتكررة لآن ديستنوفيسكي يعتقد صراحة  إن الأنسان يؤوس وعندما يعتقد إن الحياة لا معنى لها وهي ناتجة عن عدم الأيمان بالوجود لعدم تمكن الدين من أقناعه لآنتهاء أكسبايره كمسكن .

- إن أنسان ديستنوفيسكي مليئ بالتناقضات مشتت وعاجز وعنيف ممزوج بالأنفعالات المقترنة بالخوف والوقاحة يستسهل القتل ويستسيغ الدماء { كما شاهدته في أحدى فصول روايته الأخوة كارمازوف : سميردياكوف القاتل والملطخ بالدماء يقابل الطفلة بوليشكا ذات السحنة الطفولية البريئة يطلب منها مرتبكاً أن تصلي من أجله ثم بعد برهة ينفجر ضاحكاً ويصيح بصوت هستيري : كفى فالحياة تنتظر خلف هذا السراب } ! .

- أتسمت أعماله بالنزعة الواقعية السحرية ممزوجة بنزعة من الرومانسية والسخرية ، على الرغم من أجماع أدباء العالم أعتباره أديبا واقعياً ولكنهُ ( يصرُّ) على تسمية أدبه بالواقعية الخيالية .  

أخيرا / أن الصراع بين الخير والشر أزلي تأريخي بين قابيل وهابيل ، أنتصر الجلاد المدان قابيل بقتله أخيه هابيل ولكن الضحية هابيل أنتصر بحصوله على وسام الذكر الحسن ،  كذلك الشخوص القيادية الدكتاتورية قد تحكموا برقاب العباد لفترة من الزمن مثل نيرون هتلر جاوجيسكو صدام لأرتفاع نسبة الشر في دمائهم حد البلازما فلطخوا بدرجات من الرذيلة التي تنبأ بها مؤلف الرواية العبقري ديستوفيسكي .

 وقد يزول (الظالم) الشرير كما زال في العراق بيد أن (الظلم) بقي بعد 2003 بمطبات ظلامية غير مسبوقة كحد أدنى عبر تأريخ العراق لسيطرة الأحتلاال الأمريكي البغيض الذي لم يكتفي بتخريب الوضع الأقتصادي والسياسي بل تجاوز الدمار إلى تدمير المنظومة الأخلاقية  للمجتمع العراقي بتفكيك عرى الأسرة العراقية بأنتشار الرذيلة والمخدرات !!!؟؟؟.

مراجع البحث وهوامش

-الأدب الروسي – تأليف تشالزموزر- ترجمة د/شوكت يوسف 2011

- الأخوة كارمازوف – ترجمة سامي الدروبي -2010

- ديستوفيسكي –ميخائيل ياختين –ترجمة جميل نصيف التكريتي المغرب 1986

- جوزيف فرانك – ديستوفيسكي –بذور التمرد 1976

كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد

أكتوبر ----- 2022

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...