صَبرة أم شفيق

صَبرة أم شفيق


أذكرُ يا رفيق

 أذكرُ مهما نأَت الدروبُ

أو تَقطَعتْ، أو طال بي المسير

أذكرُ بيتنا العتيق

أذكرُهُ مواجهًا صَبرةَ (1) أم شفيق

تلك التي في جوفها تختبئ الجرذان والديدان والثعبانُ

لكنها تحضننا إذ ننشد الأمان

ولا تكفُ عن حراسة الطريق

 

صَبرةُ أم شفيق

 تؤنسني، تسكن في ذاكرتي

على مدى الأيام

وطيفها يصحبني في الحِلِّ والترحال

أخالني أمامها السيّابُ واقفًا يطيل الانتظار

مؤملاً وحالما أن تفتح النافذة الزرقاء ذات يوم

 وأن يرى وفيقةً تُطلُ عبر فرجة الشباك (2)

 

فهل ترى يجيء ذاك اليوم قبل أن تنقطع الأسباب

وتوصد الأبواب؟

صبرة أم شفيق

أذكر وخز شوكها

ومُرَّ طعم لَوحِها

لكنني ما ذقت طعم صبرها

تلك التي أشتاقها على مدى السنين

فكيف يا رفيق تركتها؟

هلا تزل صبرةُ أم شفيق حارسة الطريق

ومجمع الخلان والصبيان و(الزُعران) وقت الضيق؟ 

 

-         لا. لم تعد كعهدها

فجعني بِرَدِّهِ الصديق

 بصوته المرتجف المضطرب العميق:

قد وسَّعوا الطريق

فابتلعت في جوفها صبرة أم شفيق

 وشجرة العنّابِ

والنحلاتُ هجرت بيوتها

ولم يعد شارعنا كعهده

 في زحمةٍ وهرجٍ وضيق

وانتصبت مكانها عمارة تزين الطريق

 بطولها ووهجها ووجهها الأنيق

فهل ترى تدركها يوما؟

وهل أراك من غشاوة الأوهام والأحلام تستفيق؟

ولم أجب

خذلني الكلام

كأنما داهمني من روعه حريق

وعشيت عينايَ

ضاع من غوريهما البريق

كأن شهرزاد قد  أدركها الصباح

وجفَّ حلقي فامتنعت عن كلاميَ المباح.

 

(1) الصَبرة باللهجة الفلسطينية هي واحدة نبات الصبار أو التين الشوكي

(2) إشارة إلى قصيدة الشاعر بدر شاكر السياب الشهيرة (شباك وفيقة)

 

1/3/2022

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

جمعة عبدالله

03-03-2022 03:08

الاديب والشاعر القدير الصور الشعرية الباذخة في التعبير والمعنى , تحمل طعم العلقم أو حنظل الصبار ( صبرة أم شفيق ) لتلك المعالم التي بقيت حية في الروح والذهن, ولا تغيب مهما طال الزمن وتغيرت الظروف . ومهما بعد الفراق , فهي تصاحبنا في الحل والترحال , وطيفها باقٍ كالخلود في القلب والذهن . كما تساءل السياب عن نافذة وفيقة , بلوعة وحزن وشوق وحنين منجرف بالاشتياق . هل انقطع حبل الوصل واقفلت الابواب ؟ . تساؤل في حيرة وشوق على أمل ان يعود اليها أم الابواب اغلقت ؟ , نفس الحال في حيرة الشوق والحنين الى ( صبرة أم شفيق ) التي زرعها بيده وتسامر معها . والمعروف عن الصبار أو ( صبرة أم شفيق ) نبتة صحراوية تتحمل كل الظروف بالصبر حتى في رمال الصحراء . ولكن ما يحمل غصة في القلب بأن هذه المعالم الخالدة في القلب لم تعد موجودة اقتلعها الزمن والظروف, وغاب معهما بريق الحلم والامل . بطولها ووهجها ووجهها الأنيق فهل ترى تدركها يوما؟ وهل أراك من غشاوة الأوهام والأحلام تستفيق؟ ولم أجب خذلني الكلام كأنما داهمني من روعه حريق وعشيت عينايَ ضاع من غوريهما البريق كأن شهرزاد قد أدركها الصباح وجفَّ حلقي فامتنعت عن كلاميَ المباح. تحياتي
الأخ العزيز الأديب الناقد الأستاذ جمعة عبدالله المحترم أهدي لك من بستان قلبي باقة ورد عطرة، ردا على ما تُزِيِّنُ به نصوصي من تعليقات بديعة وشروح ضافية زاخرة بكل الأحاسيس والمشاعر الوطنية والقومية والإنسانية. تلك التي تجد لها حتى في نبات الصبار بمرارته ووخز شوكه موضعا للحنين والاشتياق والذكريات التي لا تُمحى. دمت أديبا وناقدا فذا ينفذ إلى أعماق النصوص الأدبية ويستبطن دلالاتها بل ويضيف إليها من ثقافته وإحساسه المرهف ما يزيدها جمالا. تحياتي لك واعتزازي بكرم مرورك الدائم وشكرا جزيلا لك.

التعليقات

إدراج الإقتباسات...