مـواسم لحمار الأسـفار
مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي عادل مردان من إصدارات اتحاد الأدباء 2021.
هـذه المجـمـوعة هي آخـر ما نشره الشاعـر عادل مردان مـن نصوص شعـرية موزّعـةً عَـبْـرَ ست مجموعات شعـرية سابعُهـا (مواسم لحمار الأسفار ) وهي خلاصة مهارات الشاعـر والمثال الأنضج عـلى ملامح بصمته الإسلوبية وقد تجسّـدت في هـذه المجموعة أحسنَ تَجسيد تشذيباً وتكثيفاً وعـنايةً بالقول مبنى ومعنى إضافـةً الى ما يبدو تخففاً من ما هو مجرد زخارف في اللغة وفي الصياغ.
ليس لعادل مردان آباء شعريون يمكن الإستدلال على آثارهم في نصوصه بل هي نصوص قد ترعـرعت في ظـلِّ قراءآت عالمية وعـربية كثيرة ومتعـددة بعـد مرورها في مصفاة الوعي الفردي والذائقة الخاصة لشاعرها ولا يمكن فصل الصوت الخاص فيها عن مزاج الشاعر وتجربته الخاصة على الصعيدين الحياتي والثقافي معـاً. يميل عادل مردان إلى جملة شعرية قصيرة وأحياناً شبه جملة حتى لَـتخلو المجموعة منالجمل الطويلة ,ليس هذا فحسب بل إن المجموعة خَـلتْ أيضاً من النصوص الطـويلة كأنّ الشاعر صائغ شذرات وأقـراط بعناية مفرطة فهو ميّال الى الإكتفاء بالحجر الشعري الكريم وصقـله ثم تشكيله ضمن صور يمكنها الإكتفاء بنفاسة جوهرها وحده غير أنها متفاعلة مع ما يجاورها من صقيل الجمل الشعرية المنتقاة بعناية تصل حدّ التقطير فليس هنالك من حشو ولا انثيالات ولا استرسال في شعر عادل مردان كأن شعـره هو ذلك الذي استطاع الصمود بعـد مرور ممحاة مراتٍ ومراتٍ على النص فهو شعـرٌ يلَـمّـح ولا يبوح وإذا ما باح فإنّ بوحَهُ غصنٌ يؤكد أنّ الريح قد اقتلعـتْ الشجرة ,هذا الطبع أو المزاج التشذيبي هو ميلٌ طاغٍ على اسلوب الشاعرعموماً في مجموعاته الست أي انه اسلوب راسخ عـند الشاعـر وليس في هذه المجموعة فقط وإنني كقارىء متابع لِما كتبه عادل أرى شعـره (شعـراً حُـرّاً ) من فـرط العناية بإيقاع الجملة ونحتهـا نحـتاً ولا أراه شعـراً منتمياً الى قصيدة النثر.
إنه شعـر بعـيد كليّـاً عن السردية والإنثيال والتفاصيل النثرية صياغةً وصوراً وإيقاعاً حتى إنه يقترب في بعـض الأحيان من الهايكو في لغـته المختزلة وفي شذرات عادل مردان الشعرية الكثير من الهايكو أو ما هو شبيه بالهايكو :
1
على تلّة المزابل
ملك الشطرنج الأسود
يلعب مع القدر
2
عندما
أُلَوّن الفزّاعة
الغربان تتجمهـر
لكن نصوص هذه المجموعة ليستْ أحاديـة اللون بل هي سـجّادة أعجمية فيهـا خطوط وألوان وزخارف وتَجاورات تشكيلية من كلّ بيئة وثقافة ومكان وهي بهذا كله تنتمي الى زمانها أكثر من انتمائها الى مكانٍ بعينه فليس في هذه النصوص ولعٌ بذكر تضاريس المكان والتركيز عليها بوصفها علامة على هويّة محلية خاصة إنها نصوص تقترب كثيراً من هجران المحليّة والدخول في شعر ذي سمات عابرة للمحلي , شعر يمتلك مواصفات عصره في كل مكان على هذا الكوكب ولكنها لا تخلو تماماً من إشارات يمكن أخذها كعـلامات على المكان وهي منبثّة هنا وهناك في بعض النصوص وأحياناً يكفي التماع كلمة ما في السياق حتى يعرف القارىء من تلك الكلمة شيئاً عن هوية المكان وتحديده على ضوء تلك الكلمة وكمثال على تلك الكلمات التي توحي بهوية المكان دون حتى ذكر المكان كلمة (سحّارة) التي وردتْ مرةً واحدة فقط ولكن هذه المرة الواحدة تكفي كإشارة الى بيئة عراقية على انَّ السياق الشعري في مواسم لحمار الأسفار سياقٌ لا يحتفي بالمكان حفاوة خاصة. كذلك فان هذه المجموعة لا تخسر كثيراً من شعـريتها بعـد الترجمة لأنها نصوص تعـتمد على صور شعرية عالمية النكهة لا عـلى جماليات محلية أو لغـوية لا يمكن نقلها الى لغة أخرى أو ثقافة أخرى, خذ هذه الصورة الشعرية مثلاً :
(حيث أشجاره تتنقل كزرافات خضر) فهل تخسر هذه الصورة من جمالها بعْـد ترجمتها؟ وتكاد غالبية الصور في هذه المجموعة تنحو هذا المنحى وهو منحى لا يقتصر على بيئة أو ثقافة دون أخرى فإذا أضفنا الى ذلك عبارات مثل(الصحون الطائرة) , (الثقوب السوداء) , (الإنفجار العظيم), ( كوفيد) ,(السيرك) فان هذا كله سيجعـل نصوص عادل مردان في هذه المجموعة نصوصاً ذات نكهة عالمية بمعـنى انها نصوص يستقبلها القارىء الغربي وغير الغـربي دون ان يراها غريبة عليه ولا استبعـد هنا ما تركته قراءة الأدب والشعر والرواية العالمية بصورة عامة والأوربية بصورة خاصة وطبيعة عصرنا المرتبطة بالشابكة من تأثير وتسريع في بلورة خطوط عامة للغة شعرية عالمية تميل نصوص عادل مردان الى التماهي معها .
طفل ألثغ
ينتف رأس الشارع
ولكنّ المجموعة حافلة أيضاً بالعديد من المزايا والشمائل وعلى أكثر من صعيد ومن هذه المزايا إن نصوص المجموعة بعيدة عن العـبوس التعـبيري فلا تقطـيب وليس هناك من تشنج لا في المواقف ولا في الإنفعال فلا تباغت القارىء إدعاءآت أو صور عضلية ولا أبّهة استعـراضية, الشاعر في هذه النصوص انسان أعزل يحاول ترويض القَـدَر وتحييده بما تُضمره الكلمات من معـنى موارب فبالمواربة تحديداً يهشُّ على تنانين الوقت وله فيها مـآربُ جماليةٌ وروحية ونفسية أخرى. وهذا هو شأن شعـر عادل مردان في مجموعاته السابقة كذلك , إنها نصوص شاعر أعزل يبتسم وهو يتابع مسلسل الخيبات ساخراً في أغلب الأحيان ؟
صامتةٌ وهي تدق
ساعتي البيولوجية
عادل مردان على الرغم من اندراجه ضمن شعراء موجة الحداثة العراقية وفي تجليّاتها الأحدث لكنه صوت له نبرته الخاصة وهي نبرة فردية يانعة تغـذت على كل ما هو جيد ومعافى في الشعر العراقي الذي سبقها ثم أضافت اليه شمائلها الذاتية ونكهتها الفردانية وليس هذا بقليل.
أعلى الهضبة
يرجمون نساء القبيلة
بينما الأحجار المدمّاة
تتدحرج فوق السفح
ديوان عادل مردان الجديد تتويج لتجربة شعرية في أوج عطائها ننتظر من النقد أن يعـطـيها ماهي جديرة به من قـراءة متفحصة.
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !
لا يوجد اقتباسات