قراءة في المتحور الأدبي الجديد في المجموعة القصصية ( جني الاكفان ) للكاتب واثق الجلبي

قراءة في المتحور الأدبي الجديد في المجموعة القصصية ( جني الاكفان ) للكاتب واثق الجلبي


يتميز الأديب في جدية السعي للبحث والتجريب في منصات أجناس الأدب (الشعر والسرد) لخلق شكل جديد من رحم أجناسها. ويشرع في توظيف هذه المحاولات، فيخوض في تداعيات الواقع ومكوناته. ولكي يفعل ذلك يبدأ الولوج في أعماقها ويبحث عن خلفياتها، ليصوغ منها شكلاً إبداعياً حديثاً وخلاقاً في الصياغة والتعبير. 

يمتلك الأديب واثق الجلبي براعة التمرد على أصناف وأجناس الأدب التقليدية، ويبدو ذلك جلياً في مفرداته الواقعية. ذلك الواقع الضبابي الذي لا يمتلك رؤية ومنطقاً سليماً ومعقولاً. 

إن قدرة الأديب في إمكانية خلق ابداع متجدد بصياغات فنية حديثة، واضعاً على مشرحة خياله وافكاره ورؤيته التعبيرية والفلسفية، جعلت المُحاجَّاة ودوامتها الدراماتيكية، تطرح أسئلة ساخنة تستلهم مفرداتها من الواقع المعاش بعمق. 

إنها خميرة ما يفرزه الحس الشعوري الذاتي والعام، في واقع تتحكم به شتى الصراعات والتناقضات والتجاذبات. 

لقد خرجت النصوص القصصية من رحم صياغة حديثة كوليد إبداعي، هو مزيج من جنسين أدبيين (الشعر والسرد) ليستحدث منهما جنس واحد. 

هذا التخليق المبتكر، وهذا المتحور الأدبي، استلهم روح الواقع ومدياته، واضفى عليه إيحاءات رمزية بليغة في دلالاتها، والتي تدفع القارئ للتفكير والتأمل.

 تضم المجموعة حوالي 117 نصاً قصصياً قصيراً. يعطي فيها الكاتب أهمية فائقة لعنوان كل نص، وتعتبر هذه العناوين إشارات دالة هي بمثابة تعريف للنص، وتوضيحاً لمساره.. 

 

بعض الشذرات من النصوص القصصية: 

النص: من هو؟

في هذا النص أسئلة ساخنة وصاخبة، تدل على حالة الاضطراب والارتباك المتناقض في خضم الصراع المتلاطم في الأضداد.

(من هو؟ من أنا؟ من أنت؟ عقلٌ وروحٌ وجسد، نفس وضمير وقلب، ذاكرة وخوف وأمل، رغبة واشتهاء وفوضى، ضحك وبكاء وخوف، نارٌ وماء وترابٌ، وهواء، نورٌ وعتمة، مالحٌ وعذبٌ وأجاج، كل ذلك وأكثر في كائن واحد فما أعظم من جمع تلك الأضداد وسارت بها الأقدام.) 

النص: 

(لم يعرف نفسه إلا نبيا كاذبا يخيط أفكار الحمقى على ظهر سلحفاة عاهرة، أين حكمةُ العيش فيما يفعل؟ الأشجار أكثر فائدة من الغبش المطحون بسرمدية ابتلاع النوافذ، لم تحرك ذاتهُ ساكنا كأنه يُقبّل أنفه بمؤخرة دبورٍ مات في العصر الأول من تاريخ الغيب، سجّل منتهى رغبته وعقد ما أراد فوق شباكٍ من خشبٍ آسن وبعد أربعين كذبة ظن أنه ركب السفينة وإذا به يرقد تحت رحمة مقص.)

 

النص:

(جفتهُ السنين، ورمتهُ في جوفِ قطٍ يتيم ، لم يعلم مدى شوق نجمةٍ للوجود ، شرابهُ نتوءُ ظلٍ لا تعرفهُ الأقداح ، أراد أن يتكلم لكنهُ أخفق من جديد ، لا يُريدُ بوح معزى ولا يبتغي وصلَ ناشزِ الرياح ، كفتهُ أحاسيس الخوف من المحاولة ، ظِلهُ يسقط عليهِ دائما كما كان ، لم يشعر بثقلٍ أكبر منه ، أحاطهُ كالمستغيث ففرّ منهُ أسرعُ من بكاء قلم ، مزاميرهُ وجوهٌ العدم ولسانهُ أقصرُ من حبة حنطة مخلوطة القشور ، أيُ نجوى تقترب من حدود هذا الأليم ؟) 

 

النص:

(هل يسرقُ الجنيُّ الكفن؟ متى يكون ذلك؟ وأين تلك المقبرة؟ ولماذا يفعل هذا؟ وهل يجوز؟ كيف يلفُ الكفن فكرة النهوض إلى حجٍ فكريٍ ممتقع بالاستلاب؟ ماذا سيفعل الجني بذلك الكفن الطريّ؟ هل يقرأ عليه تعازيم القيامة؟ أين كان ثم ظهر فجأة؟ هل لهُ وجود؟ الكفنُ قماطُ البالغين، القماط يمنع الأطفال من الحركة، فما نفعُ الكفن؟ هل يمنع الموتى من التفكير؟ يدخل الجنيُّ ما بين الكفن والجلد قيمةَ ثانيةٍ من مكانٍ مبعثر العوالم، لعلهُ يبحثُ عن الانتشاء الذي يسكن في مخ الموتى وربما يبحثُ في جمجمتهم عن فكرة لم يطلقوها بعد ، جنيُّ الأكفان ليس لهُ عشيرة ولا أهل ولا يمتلكُ إلفا ولا أحدا يهمسُ له بخطأ ما يفعل فعاش جنيا لكنهُ لم يمُتْ كفنا .) 

 

النص:

(فقسّتْ غيمته وتناهتْ إلى أسماع قلبهُ شفته فتقلبتْ أفكارهُ واشتدتْ لضياع صمتهِ حسراته، لكنهُ أيقن أن ما ألمّ به زائل وأنه عمّا قريب بكُلهِ راحل، رفع رأسهُ وقد انتهى من سكبِ هذه الكلمات التي امتعض من صياغتها وحسبها مولودا مشوها لكنه أثبتها في دفتره ليستطيع أن يرجع إلى الأمس وهو يقرأ أحاجي الفوضى، وتساءل: هل يكتب ما يفكرُ بهِ غيره).

 

 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

تبقى هذا البصير المستبصر في محادثة النصوص، شعرية وسردية، بحذاقة الناظر المتعمق، والمحلل القدير.

نشاط مستمر دون كلل ولا ملل. وقارىء نهم .

تحياتي

محبتي

زائر

10-12-2021 12:02

زائر

10-12-2021 12:02

اشكرك استاذي الكبير الاستاذ عبدالستار نور علي

وهذه الشهادة اعتز بها من شاعر وناقد كبير , يتوهج الحرف بين يديه , ويقيس الاشياء بمعيار الابداع , ويفرز بين الصالح والطالح . هكذا عرفتك باعتزاز كبير

ودمت بخير وصحة معلمي الكبير

التعليقات

إدراج الإقتباسات...