هل نحزنُ على رحيلهم أم نحزنُ على أنفسنا؟!

هل نحزنُ على رحيلهم أم نحزنُ على أنفسنا؟!


في العقدين الأخيرين من الزمن، فُجعنا بوفاة العشرات من الفنانين الكبار المهمين في الساحة الفنية العربية، أكثر من ١٥٠ فنان ماتوا منذ عام ٢٠٠٠ ولغاية ٢٠٢٢، أسماء لامعة انطفأت وسط ذهولنا لتترك في داخلنا حزناً يخالطه شعور بالأسف على سرعة مضي قطار العمر الذي يسرق أجمل لحظات حياتنا، رحل أحمد زكي ونور الشريف وسعيد صالح ومحمود عبدالعزيز وجميل راتب وفاروق الفيشاوي وعزت أبو عوف وطلال مداح وأمل طه وعبدالحسين عبدالرضا وصباح و وردة الجزائرية وشادية ومحمود مرسي وسعاد حسني وفاتن حمامة وعمر الشريف ويونس شلبي وسمير غانم ودلال عبدالعزيز وكثيرون، وجوهٌ عرفناها منذ طفولتنا وصبانا من خلال مسلسلات وأفلام وأغانٍ كانت تُعرض على شاشة التلفاز القديم ذي القناة الواحدة.

اليوم، لو فتحتَ تطبيق يوتيوب لتشاهد حلقة من مسلسل رأفت الهجان أو ليالي الحلمية أو المال والبنون أو هند والدكتور نعمان، ستشعر بأنك تتجول في مقبرة، لأن معظم الممثلين الذين أمامك أموات، مِن بطل المسلسل إلى الكومبارس، الشيء الذي يثير استغرابك وذهولك هو أنهم رحلوا في أوقات متقاربة، كلهم ماتوا دفعةً واحدة، وكأن يد الموت امتدت لتحصد أرواح مشاهير الفن بالجملة، حتى جائحة كورونا كانت لها أيضاً حصة كبيرة في مهرجان الموت الذي افترس الفنانين، صرنا كلما سمعنا خبراً عن رحيل فنان أو فنانة نتساءل: ما الذي يحدث؟!

من الناحية المنطقية، بغض النظر عن الأسباب المرضية التي أدت إلى وفاة قسم منهم، معظم هؤلاء الراحلين يجسدون حقبة زمنية معينة، وبحكم تقدمهم في السن توفوا بسبب الشيخوخة، فظهورهم بدأ في أوقات متقاربة، ورحيلهم كان لابد أن يحصل أيضاً في أوقات متقاربة، والمفارقة هنا أن الفنان يعتني بشكله ومظهره ليخفي عن جمهوره علامات الشيخوخة ويحافظ قدر الإمكان على صورته التي عرفه جمهوره من خلالها، وبالتالي فإننا قد لاننتبه كثيراً إلى زحف عجلات الزمن على ملامحهم، وفجأة نسمع خبر وفاتهم.

إن حزننا وأسفنا عند سماع أخبار انطفاء تلك النجوم المضيئة لاينحصر سببه في كونهم يشكلون جزءاً مهماً من طفولتنا وارتبطوا بذكريات صبانا، بل إننا في الحقيقة دون أن ندري حزينون على أنفسنا، فرحيل الفنانين يعني رحيل الجمهور أيضا، وأقصد جمهور تلك الحقبة الزمنية، أو على الأقل شيخوخة الجمهور، فالكثيرون منا عندما يسمعون خبراً عن وفاة فنان مشهور عاصرناه يشعرون بالقلق من اقتراب نهاية مشوارنا في الحياة، فموت الفنان قد يعني أن السنوات الجميلة التي عشناها ونحن نشعر بالزهو لأننا في بداية شبابنا قد انقضت سريعاً وبدأ الأهل والأحبة يغادرون عالمنا، حتى أن الفنان الذي كنا نظن بأنه من الخالدين قد مات.

هذه هي سنة الحياة، لعل أجدادنا (جيل نجيب الريحاني وأنور وجدي وليلى مراد وإسماعيل ياسين...) شعروا بهذه المرارة أيضاً لدى رحيل أولئك النجوم، لكل شيء نهاية، ونهاية الشيء قد تكون بداية شيء آخر، أجيالٌ تمضي لتترك الساحة للأجيال القادمة، ودوامُ الحالِ مِن المُحال.

 

 


 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد ! كن أول المعلقين !

التعليقات

إدراج الإقتباسات...