وقفة مع الكتاب النقدي ( الإبداع والتجديد في روايات زيد الشهيد ) للاديب حميد الحريزي

وقفة مع الكتاب النقدي ( الإبداع والتجديد في روايات زيد الشهيد ) للاديب حميد الحريزي


هذا الكتاب النقدي جاء كأن عملية اقتران وامتزاج في الإبداع  بين الطرفين الناقد والمنقود , في التوافق في الرؤية الفكرية لكلا الطرفين ( الحريزي والشهيد ) ففي جانب النقد في عملية التحليل والتشخيص بالخبرة والكفاءة عمقتها السنين الطويلة للناقد ( حميد الحريزي ) في الدراسات والبحوث النقدية  , أضافة انه متعدد المواهب في الخيال الإبداعي  الملهم ,  في اصناف الادب التي يمارسها في :  القصيدة النثرية والسرد في القصة والرواية . وهو يتوسم الموضوعية في مجهره في التحليل النقدي. 

ومن جانب الروائي ( زيد الشهيد ) فهو يستلهم اعماق الواقع ويكتشف خفاياه واسراره الظاهرة والباطنة في الحقب والمراحل التاريخية التي تعاقبت على  العراق , في التركيز  على  الإطار الاجتماعي والسياسي ,  في المراحل المظلمة من  تاريخ العراق , منذ زمن الاتراك الى واقعنا الحالي , يعرف من  أين  يستلهم  مصادره الابداعية ,  بوعي وادراك ناضج , ويعرف أين يضعها في المنظور الروائي ويغوص من خلالها   برؤية الفكرية والفلسفية  ثاقبة الدلالة والمعنى والرمز  , ويحاول بجد وموضوعية في  تطوير صياغته الفنية والتعبيرية , في التجديد والتحديث في التقنية  السردية  الحديثة . 

 

وهذا ما دللته  رواياته الكثيرة , في تناول قضايا مهمة وملحة في  الواقع الاجتماعي والسياسي, وفي تضاريس الحقب التاريخية المختلفة , وحتى يومنا هذا , ويدرك أن كل مرحلة سياسية تمتلك صبغه ولون خاص بها , رغم أن مشتركات هذه الحقب هي واحدة   .  بسمة نهج الإرهاب والبطش والحرمان والمظلومية والاستغلال , والروائي ينطلق من مكانية محددة , هي مدينته السماوة . وأصبحت ظاهرة مميزة في تعاطيه المتن الروائي من هذه  المكانية  المحلية  , بدليل من يريد ان يعرف تاريخ مدينة السماوة , عليه أن يقرأ روايات ( زيد الشهيد ) , يتناول الحدث والمتن الروائي بكل موضوعية , ويتخذ من مدينته كرمز للعراق في الدلالة والمغزى البليغ . ويكتسب موضوعية وجدية في طرح الامور الصعبة والمعقدة في الشؤون الاجتماعية والسياسية في المجتمع العراقي ,  بالعمق كاشفاً ما يحمل في خلفيته من المألوف وغير المألوف   , بدون انحياز في التوجه السياسي الحزبي , وخاصة الناقد في كتابه يذكر ( فأن زيداً لم ينتمِ الى تنظيم سياسي وعلينا أن ندرك حجم الصعوبات التي واجهها ويواجهها كل عراقي في زمن البعث , إن لم يكن منتمياً لحزب السلطة وعلى وجه الخصوص من يعمل في وزارة التربية وفي التعليم لان البعث أراد أن تكون التربية كما القوى الامنية مغلقة للبعث دون منافس ) ص11 . 

ولكنه يملك رؤية  فكرية وسياسية منحازا بشدة الى الحرية والانعتاق والدفاع عن الفقراء والمحرومين ,  والانسانية المعذبة في العراق ,  وفي كل أصقاع العالم ,  . يتناول هموم وآلام الناس وعذاباته وإذلالهم بالإرهاب والبطش والتنكيل . كسمة لنهج السلطات الاستبدادية في الظلم والعبودية والاستغلال في الماضي والحاضر ولا يتغير نهج الإرهاب والبطش سوى تغيير جلده  حسبما  تتطلب الظروف . ويصب اهتمامه بشكل خاص الى المرأة وما تعانيه من قهر واضطهاد وحرمان اجتماعي ظالم , فهذه الفئة الاجتماعية المظلومة في المجتمع العراقي  ( أهتم زيد الشهيد بهذه الفئة الاجتماعية المهمة في حياة العراق عموماً , وفي حياة المجتمع السماوي ايضاً ..... وقد ركز على معاناة المرأة من التقاليد الاجتماعية المتخلفة في مجتمع ضيق ومغلق , فالعمل محرم والحب محرم والسفور محظور , ناهيك عن النشاط السياسي والاجتماعي . 

 

وقد كانت المرأة تغامر كثيراً في خوض تجارب ومحاولات التحرر والخلاص من هذه القيود العنكبوتية التي تلتف عليها , ولكنها في الغالب كانت تبوء بالفشل والقمع والقهر ) ص16 . فكيف الحال عندما تدخل المرأة في  مغامرة العشق , وكما تقول الشاعرة الروسية أخماتوفا ( الحب في الشرق لا يتكلل إلا بالموت قهراً وعسفاً وحرماناً ) ص186 . أن أسلوب الروائي ( للشهيد ) يتجه بكل وضوح في اعتماده على  الواقعية الاجتماعية الانتقادية , فهو يحمل رسالة تنويرية نحو الحرية والانعتاق للمجتمع وللمرأة معاً , لأن المسألة متشابكة , التحرر من قبضات  الظلم والحرمان والعبودية والاستبداد ,  ينعكس مباشرة على وضع المرأة والعكس صحيح جداً . 

 

لذلك نجده انحيازه الكلي لقضية المرأة في نظرته الانسانية الشمولية . اضافة الى انحيازه التام الى الفقراء ومظلوميتهم ( أنحيازي للفقراء رؤية إنسانية . أنا دائما ما أشير الى الانسانية المعذبة في كل ًاصقاع العالم ... كل ما أكتبه أعرض معاناة الانسان والتعاطي المنحاز الى جانبه ) ص21 . ومن رواياته الكثيرة الرائعة ,  ومنها رباعية الليل , تتناول ليل ( السماوة ) كرمزية لليل العراق المخيم في ظلامه , وهي توثق جانباً من تاريخ العراق السياسي والاجتماعي في كل أطوار مراحله التاريخية المتعاقبة ,  أو تكشف واقع العراقي المظلم عموماً في تضاريسه المختلفة , بالتركيز على شخصية المرأة وهي شخصية رمزية للعراق منطلقاً من مكانية مدينة السماوة , رغم ان العناوين مغرية ربما تستفز ذهن وعقل القارئ في تسميات الليل في هذه  الرباعية الروائية ( الليل في نعمائه . الليل في بهائه . الليل في نقائه . الليل في عليائه ) وهو يكشف في  رباعيته واقع المرأة المزري والصعب , واقع معبق بالمظلومية في الظاهر والباطن في عذاب المرأة , وهو عذاب العراق نفسه  .  والاسلوبية في المتن الروائي تكون  ( في كل رواياته كان الشهيد ممسكاً بخيوط النسيج الروائي بحرفية فنية عالية , فلم نجد خللاً يمكن أن يؤشر على الحبكة السردية , كانت أغلب رواياته تلتزم بأسلوب الحكي والتسلسل الخيطي للاحداث, من حيث الزمان وتسلسل الأحداث  وهناك بداية ونهاية الرواية  ) ص32 . 

وهو ينطلق من رؤية في مظلومية المرأة , التي لا تجد لا معين ولا نصير ,  كما هو الحال العراق والعراقي . في  السلطات الديكتاتورية المتعاقبة بكل اشكالها , والاسوأ قاطبة هو زمن الاحتلال الامريكي  في سلب العراق بما يملك من ثروات وخيرات , اضافة الى تمزيق استقلاله وسيادته , فقد انتقل العراق من الحزب الفاشي الواحد , الى حكم المليشيات المسلحة والمتهورة في بطشها وارهابها . واصبح العراقي محاصر ومختنق من كل الجوانب  . كما هو حال المثقف  في سياسة الترهيب والترغيب , اصبحت صفة التهميش للمثقف في أسوأ اشكالها ( رأس المثقف مطلوب في زمن الدكتاتورية ( والديمقراطية ) !!!! ) ص47 . لذلك يعلو صوت الروائي عالياً ومدوياً ( أيها المهمشون  أيها المقهورون ايها الفقراء أيها المفكرون الاحرار أنا معكم أينما كنتم , أنا معكم حتى تحقيق أحلامكم ) ص99 .. هذه رسالة المثقف الواعي والملتزم , حتى يخرج العراق من لياليه  الجاثمة بثقلها عليه  . وليس كما فعل المحتل الامريكي ( أسقطت امريكا النظام الصدامي بقوة السلاح , ولكنها سلمت  قيادته الى شلة من خدمها وعملائها من الفاسدين والجهلة من لبسوا عباءة الدين والقومانية والطائفية ) ص147 . ان اهتمام الاديب الروائي ( زيد الشهيد ) بالمحلية ( السماوة ) لينطلق منها الى عموم العراق , فهذه المحلية تقوده حتماً  الى المستوى الروائي العالمي ( فهو روائي محلي بمستوى عالمي ) ص202 .

× عنوان الكتاب : الإبداع  والتجديد في روايات زيد الشهيد

× نوع الكتاب : دراسات نقدية

× المؤلف : حميد الحريزي

× تصميم وطباعة : رؤى للطباعة والنشر / العراق

× الطبعة الاولى : عام 2021

× عدد الصفحات : 208 صفحة

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

صالح الرزوق

22-01-2022 01:06

بودي الإشارة لعدد من النقاط عن زيد الشهيد و رواياته.

1- اللغة ليست عادية في بعض الأعمال و لا سيما رباعية الليل. بينما هي تصويرية و فوتوغرافية في شارع باتا و سواها. ويتخلل تصوراته أحيانا تخيلات و إسقاطات تبعده عن المحاكاة و تقوده لما يسبه إعادة تكوين سيرة إنسان أو شخص حقيقي. كما حصل مع إحياء شخصية الشاعرة الروسية أخماتوفا.

2- لديه مكان مركزي يعتمد على الذاكرة الحية و هو مدينته السماوة. و إخلاصه للمدينة يمكن أن يحوله لكاتب متخصص بالنسيج العمراني و الاجتماعي و بالسيرة النفسية للمكان.

3- لا تستطيع مقارنته لا مع أطياف المعارضة الأدبية و لا مع القوس العريض للمشهد الأدبي الذي ظهر بعد الغزو والسقوط. فهو يبني عالمه بطريقة فردية تدل على ولع بالأداة و الأسلوب. و إخلاص للحرفة - وأقصد بها العلاقة بين الذات الإبداعية والمشهد الفني العام. 

وأي مقارنة مع غيره من العراقيين تظلم تجربته و تجردها من سلاح الفرادة و الخصوصية. يمكن أن ننتبه لتيارات و أجيال. ويمكن أن نسمي أدباء ما قبل الغزو و أدباء ما بعد الغزو. لكنه كان يلح على أداته الفنية و يوليها أهمية تغطي أحيانا على موضوعه. دون أن يخل ذلك بالهم الإنساني العام. فالفقر و الظلم و الحب و الحزن موضوعات لا علاقة لها بأي مرحلة من المراحجل. وهي سرمدية دون أي تقنين.

وهنا لا بد من أن نشكر الناقد الأستاذ الحريزي و ناقد الناقد الأستاذ جمعة على الاهتمام بتجربة الشهيد. من ينسى تضحياته في إصدار مجلة تراسيم الخاصة بالقصة القصيرة جدا؟؟.

شكرا

زائر

22-01-2022 01:07

زائر

22-01-2022 01:07

الاستاذ الناقد صالح الرزوق .........

ملاحظات جديرة في الاهتمام . بدون شك ان الاستاذ الروائي زيد الشهيد يتميز في اسلوبه الروائي بخصوصية رائعة  , معتمداً على مكانية المكان ( السماوة ) وينطلق من هذه المحلية الى العالم الاوسع العراق وكل اصقاع العالم في القضايا المهمة والملحة في الشأن السياسي والاجتماعي , وبكل تأكيد اتفق تماماً مع الناقد البارع الاستاذ حميد الحريزي , بأن هذه المحلية ( السماوة ) التي ينطلق منها الاستاذ الروائي زيد الشهيد , حتماً تقوده الى المستوى العالمي , بالضبط  مثل تجربة الروائي الكبير نجيب محفوظ , انطلق من محلية الحارة الشعبية المصرية نحو العالمية .........

أما الشاعرة الروسية الكبيرة ( أنا اخماتوفا) التي واجهت المعاناة الحياتية المعذبة في زمن ستالين الدكتاتوري فقد اعدم زوجها وسجن ابنها الوحيد ووضعها في الحجر المنزلي ومنعها من النشر والكتابة , رغم توسلاتها بأن يخفف معاناتها التي لا تطاق . وقد فصلتها بتوسع في اسلوب ونهج الطغاة تجاه حرية الرأي والتعبير ,  بتوسع في مقالة نقدية  على  احدى روايات الاستاذ زيد الشهيد في رباعية الليل . لان اسلوب القمع بالارهاب الفكري اصبحت سمة الظلم والطغيان قديماً وحديثاً , والسلسلة الطويلة في الاغتيال بكاتم الصوت للمثقفين والادباء العراقيين في الزمن الحاضر , زمن الدم / قراطية .  شكرأ ودمت بخير وصحة صديقي العزيز

التعليقات

إدراج الإقتباسات...