قرنٌ وثلاث دقائقْ

قرنٌ وثلاث دقائقْ


سنةً وثمانية أشهرْ

هي العدمُ الكوكبيْ

هي الوجعُ المتدلّي الذي لم يلامسهُ

إلاّ نبيْ

وفي البال من حسدوني

على رحلةٍ في أثيرٍ

وكان حرياً بها أن تكون

على ظهر حادلةٍ أو بعيرٍ،      

أقول تشفّوا

فعادوا شباباً يغنّي وخداً يثرثرْ     

وعن غصة الشوق آثامُ رابعةُ العدوية تخبِرْ

أغنوجةُ الشِّعر والغد تغوي وتسحرْ  

  سنةً وثمانية أشهرْ

كنت أنبش عمرَ الترابِ

على أملٍ أنْ سأهديه قبري وأبقى أُصرُّ وأحفرْ

كان للكون معنى التقيُّؤ

والثلجُ عند حلول الشتاءِ

يمورُ بدربي

يفورُ بقلبي ويُصهِرْ

سنة وثمانية أشهرْ

صنعت لكأسي في بَرِّ رأسي صومعة

يتعبد فيها الشياطينُ خلفي

برغم اضطرابي وضعفي

وكافأتُ إبليسَ إذ زارني بثياب رسولٍ

وعلَّمني أن أمدّ القطيع وأنحَرْ

فويلٌ لمن يمنع العامري عن الويل، ويلٌ

فكل الخلائق عاريةٌ في حسابي

وما من إلهٍ يصلّي له الناسُ

إلا وضَعتُ مفاتنه تحت مجهرْ

تورطتُ كالظبي حين تسللتُ خلف الحدودِ

لألقى هنا بدلَ السلم والحلم ربَّ الجنودِ

تُرى هل لعبتُ قماراً لأخسرْ ؟

سنةٌ وثمانية أشهرْ

كقرنٍ أضيفت إليه ثلاث دقائقْ

فأمّا الدقائق فهي استراحة تبغٍ

تظاهرَ في الجوِّ والجوُّ شائقْ  

أدخِّنُ ثم تسير القرونُ

مضمَّخةً بشهيِّ الحرائقْ

 وها صرتُ وحدي نصيرَ الكلام المبعثَرْ

سنةٌ وثمانية أشهُرْ   

محزنٌ أن تعيشَ على الأرض فأراً

ومن قبلُ قد عشتَ ليثا

هواناً وظلماً وعسفاً عانيتُ كامرأةٍ من بلادي

وما ليس بالحرف يُرثى

فأتعسُ ما يفعل المرء في موطني

أن يُغافلَ أقدارَهُ لحظتين  

ليولدَ أنثى   

وما خفيَ اليومَ يُدمي الخيالَ ويقهرْ

سنة وثمانية أشهرْ

ويوماً تساميتُ،

 كان دمي يتمادى مشاعرَ عارمةٌ

وإذا بالزمانِ مباهجُ ناعمة

والمكانِ مطيعٌ كخادم قصرٍ مُسمَّرْ   

حيث تجلبُ عاصفتي الغدَ حلماً كثيفاً   

كما الأبنوس، 

وما احتاجتِ الذكرياتُ لغير صلاة إلى لا إلهٍ    

وقَدحةِ نبضٍ لتسعرْ

سنةٌ وثمانية أشهرْ

قرية مثلَ ليلة أنسٍ تهادت بأنغامِ موزارتَ

لكنْ لغيرك يا مَن ستحيا لتسهر !

لا أبالي فعندي الذي هو أبقى وأسمى

وأبلغُ نجما

فإن رفرفوا بالندى فهنيئاً

فروحيَ أصل الندى ونداي أغنُّ

ويرسمني في الحدائق رسما

نهاري نهارٌ وليلي يفوح نهارا

يدُ العجز كانت تصافح سجني انبهارا

وترفعني لشهابٍ لكي أتقن الموت ملحمةً

فأصاحبه من عَلٍ ثم نسجد في أي ركنٍ من الأرضِ

ما أجملَ الراحلين انتحارا

وأي المسالك أقصرْ ؟               

كوابيسُ أعرضها في المزادِ

لمن يشتريها

ويرشفها في سريري من غير سُكّرْ ! 

ــــــــــــــ

بانتظار منحه الإقامة عاش كاتب السطور منذ بداية عام  1985 حتى شهر آب من عام 1986 في قرية ألمانية تقع على حدود النمسا اسمها فلس هوفن وهي قرية يقطعها نهر الدانوب الأزرق وكان الوضع مزرياً جداً.

ـــــــــــ

برلين

تموز ـــ 2020

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

جمعة عبدالله

17-01-2022 01:09

الشاعر القدير الاستاذ سامي العامري

برعت في هذا البوح الشعري  الصادق وكشف فترة صعبة في حياة المهاجر , هي اصعب انتظار بالقهر والوجع في حياة المهاجر . وحقاً يوم واحد يعادل سنة كاملة تنهشه بالقلق والهواجس المتشائمة في انتظار نتيجة القبول , حتى ينفض ثوب القلق والهموم والمتاعب , هذه حقيقة اوجاع المهاجل تقمصتها ببراعة صور الشعرية التي تدل على الحالة المزرية من شواية الانتظار , اضافة الى الوحدة والعزلة وكوابيس الاحلام , ينزوي في غرفته الباردة في تضاريس مناخية لم يشهدها من قبل , في شتاء قارص وبارد في هطول الثلوج , وهو يتحسس اوجاعه بحزن في شواية الانتظار . .......

تحياتي

زائر

18-01-2022 01:11

عميق محبتي وامتناني للناقد البارع الأخ العزيز جمعة عبد الله ومعذرة قلبية عن اتأخر في الشكر والإمتنان

جمال مصطفى

17-01-2022 01:12

هذه القصيدة من  أجمل  القصائد التي قرأتها  للشاعر سامي العامري  ,

وفيها  يجد القارىء جميع البراعات الأسلوبية  التي تُميّز ُ شعر العامري

وتعطيه نكهته الخاصة .

دمت في صحة وإبداع   يا سامي  , دمت في أحسن حال 

زائر

18-01-2022 01:11

خالص محبتي للشاعر المضيء جمال مصطفى فعائق عاقني عن الرد  في الوقت المناسب

تقبل أحر عبارات الشكر مع التمنيات العطرة

عادل الحنظل

18-01-2022 01:01

يبدو من التاريخ المؤشر تحت القصيدة أنها كتبت بعد أربعين سنة تقريبا من الحدث ولكننا نقرأ المعاناة وكأنها حدثت بالأمس. هذا يوحي بشيئين، براعة الشاعر في تصوير حالته النفسية أولا والأثر المؤلم الذي حفرته في نفسه ثانيا. أسلوب العامري مُتقن وهو يعرف كيف يصطاد الكلمات ويضعها في أفضل موضع. 

لقد كان تاريخا ياصديقي فلا تتألم لذكراه وخذ من الحاضر لذاته كما يقول الخيام. 

دم مبدعا صدّاحا

زائر

18-01-2022 01:11

أحلى سلام للشاعر الأصيل عادل الحنظل

وزهو حرفه شعراً وتعليقاً 

مع أعبق المنى والأطياب

التعليقات

إدراج الإقتباسات...