تميزت الأعمال الروائية التي تصوغها قريحة مخيلة خيال الكاتب (قصي الشيخ عكر) بأنها تحمل ميزة المعاناة الغربة والاغتراب في المخاطرة والمجازفة المهاجر في الوصول الى بلد الهجرة. يعتمد على ثنائية الترابط في المعاناة بين الوطن الام الحاضر بكل قوامه في الأحداث السردية للنص الروائي، وبين هموم التكيف والاندماج في المجتمع الغربي، بالتجربة والمعايشة الحقيقية التي اكتوى بنيرانها وجراحها النازفة في المجتمع الجديد، فيبدأ من الهجرة القسرية من وطن الأم .الذي يحكم طوق الحصار والخناق، لذلك يجد نافذة الهجرة والرحيل عن الوطن كطوق نجاة لحياته، بغية إيجاد ظروف إنسانية أفضل في بلدان المهجر، وهذا الحلم والامل يتكسر ويتمزق منذ الخطوات الاولى . حين تطأ قدميه بلد الهجرة، رغم الرحلة الطويلة، تتزاحم فيه المخاطر والمفاجآت ، وهي رحلة يلعب بها الحظ والصدفة، لكنها في كل الأحوال رحلة مجازفة مغامرة غير محسوبة العواقب ، ربما يكون طعماً لحيتان البحر بقوارب الموت . أو يموت اختناقاً في شاحنات اللحوم لتهريب اللاجئين في حشرهم كما تحشر اللحوم . أو يقع تحت رحمة المهربين في قلوبهم الخشنة في الكسب غير الشرعي ، وربما يدفع رشوة مالية الى خفر الحدود من أجل السماح للعبور الى الدول الاسكندنافية ومنها السويد، وربما يصاب بصرعات الاحباط والازمة العقلية قد تؤدي به الى الانهزام النفسي، لأنه يجد عادات وتقاليد صعبة وغريبة عليه، تجعله في حالة الانطواء بعدم التكييف والتأقلم والاندماج في المجتمع الغربي، أو ربما بعض الاحيان يتحول الى مهرب او تاجر بالسوق السوداء يتهرب من دفع الضرائب . ان المحنة والصعوبة الحياتية تبدأ حين يحشر في معسكرات اللاجئين، ويجد اصناف او مخلوقات بشرية هجينة ومغلقة في عقليتها الإسلامية السلفية، يجد سلوكيات شاذة من طائفة المهاجرين واللاجئين . تؤدي به الى الاحباط الشديد ويصاب بنكسة أو أزمة نفسية وسايكولوجية، تجعله مشتت الهوية . بين وطنه الأم . الذي عانى منه الإرهاب والقمع من النظام الطاغي . الذي يجعل حياة الانسان زهيدة وبخسة او يجعلها حطب الوقود للحروب العبثية . كأن البشر خرفان تساق الى الموت في جبهات الحرب . ويتناول المتن الروائي معاناة المهاجر بالاتساع في الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التي تلهث وراء المهاجر . يعطي الصورة الحقيقية لمشاهد حياة اللاجئين الى الدول الاسكندنافية ومنها السويد، يتوغل النص الروائي في المخاطر والمفاجآت في صعوبة التأقلم والاندماج . ولكن ايضاً المهاجرين ينقلون عادات وثقافات شرقية لم يتعود عليها السكان المحلين الغربيين، تختلط عليهم المفاهيم الجديدة المستوردة من الشرق ( هؤلاء الشقر ظلوا قابعين دهوراً في ممالكهم الاسكندنافية، اختلطت عليهم المفاهيم حتى جئنا نحن الشرقيين فدخلت قاموسهم مصطلحات جديدة .. الشرف .. غسل العار .. السنة . . الشيعة . . الفلافل ) ويسلط الضوء على رحلة السارد أو بطل الرواية بضمير المتكلم، يبدأ احداث الرد من وصوله الى السويد بعد أن قطع رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، هرباً من النظام الطاغي، أن يأخذ طريق الهجرة القسرية . حتى وصوله وحشره في معسكر اللاجئين، مع مخلوقات هجينة تحاول أن تفرض سطوتها الإسلامية السلفية على معسكر اللاجئين . حتى انتقاله الى المستشفى للعلاج من حالته النفسية المحبطة . بالوصف والتصوير المدهش، في اتجاه الواقعية الجديدة في التداعيات الحرة في تناول أحداث السرد الروائي، يسكبها بالتدفق المتزاحم وبلغة مشوقة برافة، لكي يسلط الضوء على ظاهرة الهجرة, وكذلك حالة الاغتراب الروحي بين الوطن الأم، وبلاد الهجرة السويد ، رغم البعد الجغرافي البعيد، لكننا نجد صورة الوطن حاضرة بكل عنفوانها في المفاجات المؤلمة . نجده مشطوراً الى نصفين بين ما يحمل من عقلية وعادات وتقاليد، وما يجد من عادات وتقاليد جديدة تكون عسيرة الهضم . منها ما وجد مأزق المعارضة الموقعة في شرنقة ذاتها متصارعة في ذاتها، ويسميها معارضة (المضاريط) إسلامية ويسارية معاً. وكذلك في مسألة التكيف والاندماج، وخاصة في حرية المرأة في حق الاختيار في الحب والعلاقات والزواج. يقع في مطبات خطيرة يعتبرها اهل البلاد المحليين جرائم خطيرة. كما حدث له حين راى خطيبته تضع يدها في يد شخص غريب، وقام بصفعها في الشارع وسط المارة الذين تجمعوا عليه في دهشة واستغراب وتتعالى صرخاتهم (وحش . مجرم . غبي . خنزير) حتى جاءت الشرطة ورمته في السجن، لأنه ارتكب جريمة كبرى، وعند الاستفسار عن سبب الصفعة الى خطيبته.
- لم ضربتها؟
- رأيتها مع شخص آخر.
- أفسخ الخطبة، طلقها من دون أن تستخدم يدك!
وتدخل والد خطيبته عمه التاجر المهرب الذي يتفنن في الهروب من دفع الضرائب، الذي هاجر من العراق عام 1968. وبرز في أعمال تجارية في الغش والتهريب واللعب على تناقضات الدول الشرقية. ونجح في إخراجه من السجن، والعمل معه في محلاته التجارية، وأن يتسامح مع خطيبته لأنها متعودة على العلاقات الاجتماعية الحرة . وان يقبل بواقع الامر، يتعرض الى نكسات نفسية ويدخل في استمرارية العلاج النفسي . يسأله الطبيب المختص في العلاج النفسي، هل يشعر بالخوف.
- هل تتذكر آخر لحظة فارقت بها الخوف !
كنت أحدق في السقف الأبيض :
- دخلت حقل الالغام وكان الرصاص يتناثر من حولي والقذائف، وانتشلت الجثة دون أن أشعر بخوف حتى أني كدت أنسى أصابة تناولت رأسي .
- هل كنت مجبرا على ذلك ؟.
حقاً الطبيب لا يعرف ولم يعش أرهاب النظام الطاغي . ودفع الشباب الى محرقة الحرب، وهناك في جبهات الحرب تصبح الحياة لعبة الحظ والموت، وامام القذائف الصاروخية وسقوط الضحايا، يتبدد الرعب تجاه وحشية الموت، لا يعرفون معنى الخراب والدمار في الحروب العبثية، التي تشكل صورة المأساة الحقيقية للحياة . ولا يعرفون معنى المصير المجهول المحفوف بالمخاطر . ويتطرق المتن الروائي ايضاً، الى الممارسات الشاذة واللاخلاقية التي يمارسها المهاجرين من أجل الحصول على المال بكل الطرق اللاشرعية، أو الحصول على الامتيازات والمكاسب المالية المضاعفة، في التحجج بالمرض والكآبة حتى الخلل العقلي . وكذلك الرغبة في السكن في الشمال السويد المتجمد بالصقيع وكثافة الثلج هناك ، كل شيء أبيض، حتى أهل البلاد السويد، يرفضون الاقامة بها خشية من الكآبة والانتحار ( كان هدفي الحصول على الإقامة ثم ليكن ما يكون، لا يهمني أحداث لم أرها قط، يرويها الشرقيون عن قسوة الشمال، أنها حوافز كثيرة توفرها السويد للشرقيين القادمين من المناطق الحارة، غرض أن يقبلوا العيش في الشمال، السويديون أنفسهم ينتحرون هناك )
ويكون تحت اشراف العلاج النفسي، حتى يضطر الى الهروب من المستشفى .
ان الكاتب ( قصي الشيخ عسكر ) الذي يعتبره بعض النقاد، عميد الأدب الروائي في المهجر، من خلال رواياته الكثيرة حول المهجر والغربة والاغتراب ، والشيء الملفت في المتن الروائي لرواية ( زيزفون البحر ) في تسمية شخوص النص الروائي بالألقاب البحرية في الرمزية والدلالة في المعنى . مثل زيزفون البحر على خطيبته الثانية بنت عمه في السويد، لان خطيبته الاولى في العراق خطفها تاجر عراقي ورحل معها الى الامارات، وهو في جبهات الحرب . كوسج البحر أو حوت البحر على عمه التاجر الذي يمارس الشيطنة والاحتيال في كسب المال، ولا يهمه في الحياة سوى الكسب المالي، بكل الطرق اللاشرعية . زنبقة البحر . حبار البحر . موج البحر ........ الخ
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
04-11-2021 11:07
04-11-2021 11:10
لا يوجد اقتباسات