تَظمَأُ فيكَ الشُطآنْ
يا نَهراً يَستَجدي الماءْ
يَعجزُ في خَصرِكَ دَلوٌ
لا يَغرفُ غيرَ الطينِ وأقذاءِ الأدرانْ
هَجَرَتكَ عُيونُ التُوتِ وأقراطُ الكَرْم
نَفَضَ الصَفصافُ عليكْ
آهاتٍ حَمَلتْها ذبلىٰ الأوراقْ
وانسَدَلَ السَعفُ علىٰ الجِذعْ
وتَهاوَتْ فَوقكَ عَطشىٰ الأعذاقْ
والطَلعْ ...
يأبىٰ أن يَمنحَ خِصباً ليتامىٰ النَخلْ
كي لا يَذوي فيها التَمرْ
ماعادتْ تَسرحُ سكرىٰ فيكَ (الأبلام)
أو تَتدّلى في جَوفِك سيقانُ العُشّاقْ
مَنْ ثًملوا في حُضنِكَ
مَن ترَكوا ذِكراهُمْ في قاعِكَ أحجاراً
نَقشوها تَقبيلاً
حينَ دَعاهم عَذبُكَ أن يَهِبوا الثَغْر
يانهرْ.. ضاعتْ فيكَ الأسماءْ
من يَتذَكرُّ شَوقَ بُويبْ
يَهمسُ للمأخوذِ بهِ
أعذبَ شِعرْ
وبُويبٌ صارَ تُراباً
لا يفطِنُ كيفَ يَكونُ النهرْ
أخذَتني نَحوكَ آلافُ الآهاتْ
مثلي.. يَنظرُ صيّادٌ فيَرىٰ القعرْ
أَجردَ .. أسودَ.. تَكنسهُ الريحُ
ويَندبهُ الجِسرْ
إيه ياجسراً قَصّ مَشيمَتكَ التاجْ
مَلِكٌ مرَّ عليكْ*
والكرْمُ قناديلٌ تَتَدلّىٰ
تحكي قصّةَ مَن وَرَثَ المَجدْ
هل تَعرفُ أعظُمُهُ في القَبرْ
أنّكَ وهوَ سَواءْ
قَتلَتْهُ ايادي الغَدرْ
مثلكَ ..
فابكِ عَليهِ وقد صِرتَ خَواءْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقصود هو جسر باب سليمان الخشبي الجميل الذي بناه الجيش العثماني على نهر باب سليمان (قرية الشاعر) من خشب المهوجني القوي. ولأهميته في ربط جانبي أبي الخصيب فقد حضر الملك فيصل الأول لأفتتاحه عام 1924 فقام الخصيبيون كترحيب لائق بالملك بفرش الجسر ومقترباتة بالسجاد وأحضروا أشجار العنب (التساليق) ووضعوها على سياج الجسر من الجانبين والعناقيد تتدلى منها فتراءى للعابر منه (كما روى جدّي) وكأنه يسير في حقل عنب. كما وضعوا أشجارا أخرى تحمل أنواعا من الأوراد فبدا الجسر وكأنه حديقة غناء. وبسبب الأهمال في العقود الأخيرة فقد تحطم الجسر وتآكلت أخشابه وصار منظره يدمي قلب من يعرف تاريخه.
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
18-04-2022 04:05
الشاعر القدي الاستاذ عادل الحنظل .........
مدهش في ترجمة الاحساس الداخلي بهذا الجمال الشعري البليغ . , مدهش في رسم الصورة الحسية شعراً , التي ترسم صورة الخيبة من مرارات الواقع , وخيبة آمالنا وطموحاتنا العطشى التي يقتلها الظماء , مثلما يقول البيت الشعري ( يسعى الى الماء من يغص بلقمةٍ / فقل أين يسعى من يغص بماءٍ ؟! . هكذا حال احلامنا وطموحاتنا تغص بالعطش والظمأ , فما السبيل إلا تذكر ذلك الماضي الزاخر بالحياة والطموحات , ذلك الماضي المعبق بأوراق الكروم , ان الاحزاب اللصوصية قتلت احلام العراق , وهذه جريمة اكثر بشاعة من القتل . حين تجرد النفس بالاحلام وتجعلها تغص بالعطش وهي غارقة بالما , مثل الانهار التي تشكو الظمأ والعطش , هذه مصيبة خيباتنا , أين يذه الماء حين يغص بالعطش ؟؟ .................
تحياتي اخي الحبيب بالخير والصحة
20-04-2022 04:09
الناقد الثر الاستاذ جمعة عبدالله
شكرا من القلب لمشاعرك النبيلة وكلماتك الطيبة.
هذا النص جاء بعد رؤيتي الأخيرة للنهر الذي ترعرت على ضفافه والجسر الذي مشيت عليه طفلا. كان كل شيء جميلا وأصبح اليوم محض خراب. ماء النهر متعفن وقليل والمجرى يكاد ينطمر. إنها مأساة بلد بأكمله، فلا مكان فيه أفضل من مكان.
لك كل التقدير والمحبة أخي الحبيب أبا سلام
14-05-2022 05:10
عنوان القصيدة هو بحد ذاته قصيدة.. كأن النهر يبوح بحزنه ويندبُ شبابه الضائع ويرثي أيامه الجميلة.. سحرتني هذه الصورة الرائعة:
أو تَتدّلى في جَوفِك سيقانُ العُشّاقْ
مَنْ ثًملوا في حُضنِكَ
مَن ترَكوا ذِكراهُمْ في قاعِكَ أحجاراً
نَقشوها تَقبيلاً
مبدعٌ ومبتكرٌ كعادتك يا أخي وأستاذي العزيز، دوماُ تنقلنا بقصائدك العذبة الى أجواء السياب والبياتي ونازك... تحياتي ومحبتي.
14-05-2022 05:10
عنوان القصيدة هو بحد ذاته قصيدة.. كأن النهر يبوح بحزنه ويندبُ شبابه الضائع ويرثي أيامه الجميلة.. سحرتني هذه الصورة الرائعة:
أو تَتدّلى في جَوفِك سيقانُ العُشّاقْ
مَنْ ثًملوا في حُضنِكَ
مَن ترَكوا ذِكراهُمْ في قاعِكَ أحجاراً
نَقشوها تَقبيلاً
مبدعٌ ومبتكرٌ كعادتك يا أخي وأستاذي العزيز، دوماُ تنقلنا بقصائدك العذبة الى أجواء السياب والبياتي ونازك... تحياتي ومحبتي.
لا يوجد اقتباسات