في صُبحِ ذاكَ الأربعاءْ..
كانت سماءُ الروحِ تنزف لحنَ نايٍ طاعنٍ في الحزنِ
ينذرُ بالرحيلِ..
لحناً عذوبَتُهُ تخيفُ رتابَةَ الأيّامِ،
مثلَ المِسْكِ حينَ يثيرُ شوقاً كان يغفو عند قارعةِ الأصيلِ..
كانت سماءُ الروحِ متعبةً،
يحاصرها غمامٌ لستُ أعرفُ محتواه..
ماذا تغيّرَ في ملامحِ كلِّ شيءٍ،
صرتُ أجهلُ كلَّ شيءٍ قد أراهُ ولا أراه..
متشبثاً باللحنِ أمشي، مثلَ ظلٍّ مُبهمِ المعنى،
تُغَيِّبُهُ بقايا من ظلال..
في صُبحِ ذاك الأربعاء..
صوتُ ابن عمٍّ يقرأُ القرآن حيناً،
ثم يجهش بالبكاء..
كم كان صعباً ذلك النفس الأخيرُ..
كأنكَ استجمعتَ في رئتيكَ روحي،
ثم أطلقتَ العنان لها لتصرخ :عُدْ ..
لماذا لا تردّْ ؟!
مازلتُ أمسِكُ كفّك، انسكبت عليها دمعةٌ،
جسراً من الذكرى الى ما مرّ من عمري تمدّْ..
لِمَ لا ترُدّْ ؟!
أفَكُلّما أقنعْتُ نفسي أن شمسَكَ لن تغيبَ
يجيءُ من قاع الظلامِ أسىً جديدٌ
يوصِدُ الأبوابَ دونَ الأمنيات؟
أفكلما شيّدتُ بنياناً من الآمالِ يصحو واقعٌ شرسٌ يَهُدّْ؟
لِمَ لا تَرُدّْ؟!
وجَسَسْتُ نبضَكَ في العُنُق
وعلمتُ أن قصيدتي اختنقتْ قوافيها، وأُغلِقَتِ الطُرُقْ..
كانَ ثقيلاً وزنُكَ،
وإذا ما حرّكتُكَ تصرخُ ألَماً
ما أقسى صوتك حين تئنُ
وكم تجلدني الأصواتْ..!
لم أتمكن مِن غسلِكَ – أبتي – طيلة أسبوعٍ فاتْ..
واليوم أراكَ أمامي تنعمُ بالماءِ وبالصابون
في غرفةِ غسلِ الأمواتْ..
كان رحيلاً أشبهُ بإزالةِ بُرجٍ من قلبِ مدينهْ..
مثلَ سماءٍ سَقَطَتْ فوق الأرضِ، تشظتْ
فتوقّفَ نبضُ فصولي، هبطتْ فوق الكلماتِ سَكينهْ..
دفءٌ يرقدُ في الثلاجة،
أحرَجَ حتى مَلكَ الموتِ، فكيف ستغدو الشمسُ دفينهْ؟!
لم أجزعْ لرحيلِهِ، حتى أنّي أكْرَمتُ الحفّارَ ببعض المال..
فابتسَمَ، وجهَّزَ معوَلَهُ
ليشقَّ الأرضَ لتبتلع الدفء وتتركني برداناً
مذهولاً كالطفل، يراودني ألفُ سؤالٍ وسؤال..
كان يلقب (ربَّ الأُسرةِ) في كل سجلاتِ الدولةِ
والإثباتات الرسميهْ..
مطلوبٌ مني أن أدفن ربّاً
كيف سأدفن ربّاً
هل ممكن أن يُدفَن ربٌ تحت الأرض؟ أليسَ له عندي قُدسيّهْ؟! ..
عُدنا يا أبتي، وبقيتَ هناك وحيداً
في الظلمةِ،
في قلب شتاءٍ أعمى، كيف تنامُ هناك؟!
الريحُ تئنُّ أنينَ الثكلى،
تثقبُ صمتَ الجرداءِ وتعبثُ بالسعف الأصفر حتى الإنهاك..
لاشيء سوى ريح وغبار مجنون
وسماءٍ غابتْ عنها كلُّ الأفلاك..
عدنا من دونِكَ، نحملُ خيبَتنا،
ما أوحش عمراً أقضيه بلا بسمتكَ الوادعةِ
وصوتِكَ ذاك العامر بالحبِّ،
وما أصعبَ أن أؤمن أني لستُ أراك..!
يلزمني وقتٌ لأصدّقَ
أني لن أسمع صوت المذياع صباحاً يتسلل من غرفتِكَ..
يلزمني وقتٌ لأصدّقَ أنك لستَ هنا،
وتلاشى في العتمةِ آخرُ ضوءٍ آتٍ من شمعتكَ..
لكني حين أصدّقُ أنك لن ترجعَ يا أبتي
يلزمني عُمرٌ
لِأحاول أن أنسى وجهَكَ، لكني لا أنساه..
نَمْ بسلامٍ يا أبتاه..
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
10-11-2021 11:10
10-11-2021 11:02
لا يوجد اقتباسات