الاتجاه الطليعي في قصص سحبان السواح

الاتجاه الطليعي في قصص سحبان السواح


الاتجاه الطليعي في قصص سحبان السواح
صالح الرزوق
ينتمي سحبان السواح لفترة الثمانينيات، أو بالتعبير الفني لجيل  "الثمانينيات"، والذي امتد نشاط أفراده بين حربين، التحرير عام 1973 وحصار بيروت عام 1982، ثم تابع حتى اتفاق أوسلو المشؤوم.
وكان شعاره مثل كثيرين غيره" الموت بفرح ". وهذه إحالة  إلى " الموت السعيد "، وهو لافتة عريضة  حمل أعباءها ألبير كامو، ليس ليدل على موقف وجودي من العالم والحياة، ولكن للإشارة إلى عمق التناقض الأصلي بين الوجود والمشاعر. باعتبار ان الاول حالة ثابتة والثاني حالة عابرة. وببنهما يتطور احساس البشرية بوعي المأساة على حد تعبير برديائيف.
ولذلك أصبح  لدى أفراد هذا الجيل توجهات انتحارية سواء على مستوى المضمون أو الشكل.
فمن ناحية المعنى: عبّر سحبان السواح مع زمرة أخرى من الأدباء عن الرغبة بتخطي الواقع عن طريق تحطيمه، وربما تمهيدا لإقامة يوتوبيا ليس لها حدود، وليس لها صور، كما هي الحال في قصته (أحلام الرجال).
وكان قرار هذه الزمرة من المغامرين التعدي على المضامين الواقعية لإعادة تعريف الواقع، في البداية بمعنى التطهير (وفق المدلول الإغريقي للكلمة)، أو بعبارة أخرى: للتخلص منه، وإضرام النار به، وتقييده بشروط هي أساسا سلسلة من الرموز، أحيانا ذات ارتباط ديالكتيكي، وأحيانا (وهذا هو القانون العام) من غير أبعاد جدلية، بحيث أن اللغة تصبح عبارة عن إشارة واحدة،  والمجتمع عبارة عن فرد واحد، ولكن بشرط أن يتوسع حتى يندمج بالوجدان، أو بقبول الشروط المفروضة عليه (وهي الفكرة الأخيرة في قصة ذكريات قديمة) . لقد كان العنوان بحد ذاته يحتمل معنى الاستطراد الشرطي، وبالأخص أن الذكريات قديمة دائما، ولا تكون إلا بصيغة الماضي أو التصورات. وكانت المناورة هنا محتّمة مع الشخصيات والأحداث، ومع المواقف، لتقدم لنا اللغة قدرا واسعا من العواطف والحنين، وليتحاشى الذهن (القديم) الصدام مع الأحداث القادمة (في المستقبل).
وهذا هو موقفه من  الشكل أيضا.
فهو في هذا السياق إشارة بعيدة إلى الخلاف المزمن بين الواقع وما بعده، أو الخطاب المركزي الحديث وما بعده. وهكذا تبدأ المعضلة، وتتلخص بانتظار  المعاني والصور التي نحن نتصدى لها. وباعتقادي أن هذه ليست هي الأزمة، ولكنها صلب الموضوع.
لقد حاول سحبان السواح مع بقية زملائه (ولا ضرورة لذكر الأسماء.. لأن العلاقة انتهت إن لم تكن قد احترقت. وتحولت الى ما يشبه عزفا منفردا. و قد اصبح هذا السلوك بمثابة قانون. حتى ان جورج سالم ختم حياته بكتاب قصصي اختار له عنوان (عزف منفرد على الكمان). بينما اختار سعيد حورانية لآخر عمل له عنوان (عازف الحي) - ومن الواضح أنه ركز على صيغة المفرد وليس الجمع للتأكيد على الهم الفردي الذي أصبح مدخلا شائعا للتفكير بالشأن العام). وأعتقد أن سحبان السواح دمج فلسفة الاثنين في أعماله. فقد وضع التصوير الواقعي - وهو أسلوب حورانية، بجانب الرؤية الذاتية والمريضة - وهو أسلوب سالم. مع إضافة رموز وأعصبة  تجرد الواقع والذات من أسلحتهما بالطريقة العدمية التي اتبعها كل من
زكريا تامر ومن بعده غادة السمان ووليد إخلاصي. وكان هذا بالفعل كفيلا لأن يزج الجميع  في معركة وراء الحدود، وأن يحولهم من طليعة ذات مهام ريادية إلى عصاة، أو خوارج (بالمصطلح التراثي والفلسفي).
و أي قارئ بوسعه ملاحظة موقف هذا الجيل المضاد للواقع الظالم والميؤوس منه والمتعصب وغير الحالم، والقاسي والفظ والمباشر.
ولتحقيق ذلك وظفوا  شبكة من المفردات والأخيلة والصور التي لا تنتمي للسياق، والمستوردة من اقتصاديات سوق استعماري وإمبريالي لديه أطماع وأجندات .

•سحبان السواح  كاتب قصة سوري من حمص. يقيم حاليا في فرنسا. صدرت له عدة مجموعات منها: الموت بفرح، طعم الملوحة، الحب في الستين وغيرها. عمل رئيس تحرير لدوريات أدبية مستقلة، منها : كتب عربية الصادرة بدمشق (محتجبة)، وألف الصادرة بقبرص (محتجبة)، وعمل بصفة أمين تحرير لمجلة (الحياة المسرحية) الصادرة عن وزارة الثقافة بدمشق والتي أسسها وأشرف عليها المرحوم سعد الله ونوس...

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

جمعة عبدالله

05-04-2022 04:04

الاديب والناقد القدير الاستاذ صالح الرزوق .....

جيل الثمانينات مر في اصعب مرحلة تاريخية في حياة  للعرب والادب العربي , وقد برز كتاب كبار من بلد سوريا , كان لهم التأثير الواضح على الادب العربي ( الشعر / السرد ) بالاسماء الكبيرة اللامعة في تلك المرحلة . الحقيقة لم اسمع بهذا كاتب القصة ( سبحان السواح ) ولكن سلطت الضوء بما فيه الكفاية في براعة قلمك النقدي ........

تحياتي صديقي العزيز بالخير والصحة

زائر

05-04-2022 04:06

سحبان السواح اولا قاص. و ثانيا محرر مجلات و ناشر معروف. ثالثا معارض يعمل خارج السرب ووحي.ا.

له سيناريو مسلسل تلفزيوني واحد.

اهم نتاجاته مجلة ألف التي صدرت في قبرص. و رأس تحريرها معه الشاعر السوري محمود السيد مرلف مركب الرغوة. و هي بصيدة نثرية طويلة.

لكن صمت كلاهما بسبب عدم اهتمام الاعلام بهما لأسباب سياسية.

توقف السواح عن الكتابة.

و هاجر الى مصر. بعد اخر انقلاب هاجر الى عدة بلدان و استقر في فرنسا و لا اعتقد انه يكتب.

اول كتاب اه هو الموت رفرح. و اخر ما صدر له ١٠ قصص حديثة نشرها متفرقة في مجلة ألف التي لم تستمر اكثر من ضج اعداد.

انا لا اعرفه شخصيا  لكنه من نشر لي قصص في الوبت الضائع. و قصص بيت فرويد. و كتابي اخر الكلاسيكيين عن الشعر العربي من خلال نموذج يحيى السماوي.

لا يزال اخوه الكبير فراس السواح يكتب. و ربما هو في بكين او عاد الى دمشق..

 

التعليقات

إدراج الإقتباسات...