فعلا فتح لنا هذا الكتاب مقاربات تأريخية ببصمات قامات سياسية وأدبية وثقافية وفنية في السفر العربي والعالمي وبخط وأنفاس كاتب ومؤلف يحمل من الوطنية وعشق الأنسنة والحرية والكلمة الحرّة وذوشخصية مستقلة متسمة بالحكمة والمنطق السليم حيث أجمع كتاب وأدباء ونقاد الزمن المعاصر للقرن العشرين بتسميته ب " متنبي الغرب " حقاً يليق بهِ ( التماهي) بالمتنبي بمحاكاته فلسفيا وأدبياً وحكمة القول ونافلة المعاني وهو يقول في بعض من حكمهِ : كيف يؤكد الأنسان سلطتهُ على أنسان آخر ويجعله يقاسي الألم ؟! ويقول: الأحتفاظ بالسلطة لا يأتي عن طريق التوفيق بين المتناقضات ، وهل يغيب القمر في حكم المتنبي (---- على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ).
ومن سيرته الثورية وتوجهاتهِ اليسارية مثّل الغرب الأوربي من قبل حزب العمال الماركسي البريطاني اليساري كمتطوع وهو القائل : جئت إلى هنا لأقاتل الفاشية الفرانكوية ، حيث وضعته صحيفة التايمز البريطانية في قائمة أعظم 50 كتاب بريطاني منذ عام 1945في كتابهٍ تحية لكاتالونيا يصف فيه ممارسات الحكم الأستبدادي والشمولي (بتسليع) الأنسان وسلب إرادتهٍ والتي أنتشرت تأثيراتها الثقافية الحداثوية في الثقافة البريطانية والعالمية ( ويحكي الكتاب حياة كاتب بريطاني يرتدي جلباب التقدمية والدفاع عن آدمية البشر في تجليات التطوّع الشخصي لمحاربة الفاشية ألا هو " جوج أورويل " المتواجد في كاتالونيا تلك البقعة الساخنة ليصرح بوضوح الحرف { أني جئتُ لأحارب فرانكو وأعوانه } ، وأنظم " أورويل " لاحقاً ألى ثكنة لينين الأكثر سخونة في برشلونه وأخترقت رصاصة قناص عنقه وحينها أفقدت صوته ، وعولج في مشفى الأحزاب الشيوعية في جبهة ( أراغون ) ، وكانت لهُ صلات وعلاقات ودية لتلك المشتركات والمقاربات الفكرية اليسارية الثورية في محاربة الفاشية ودحر التعصب الأثني ، وشهدت له خنادق سرسقطة ولوسمناجروس بمنطقة أراجون ، شمال شرق أسبانيا من عام 1936 .
- وخلدتهُ روايته" 1984 " بتأليفها عام 1946التي ( أرخنت ) تلك الموجة الثقافية ( الأورويلية ) بأمتداد تأثيراتها متجاوزة الزمكنة البريطانية نحو مساحات جغرافية واسعة من العالم وشخصنت هويته وعنوانه لأنه وضع فيها سيناريو مرعب عن تغلغل الأنظمة الدكتاتورية على حياة وواقع الأنسان ،وأنها أصبحت مرافعة قانونية ضد الطغيان وأحتجاج صارخ ضد أهدار كرامة الأنسان ، وأثبت " أورويل " أنه ليس فقط روائي وكاتب بل "مفكر" سياسي يؤكد بعد 38 سنة مستقبلية قادمة يتنبأ بنبوءة زمكنية متكاملة مذهلة لما سوف تؤول أليه الحياة بسوسيولجية جمعية سوداوية ظلامية مشؤومة بحكومات الطغيان والأستبداد ، محتقرة للعقد الأجتماعي لروسو ، والحيثيات القانونية للمجتمع الدولي ، وفعلا عاش العراقيون جمهورية الخوف ومحارق الحروب القسرية العبثية ، والمقابر الجماعية وأحواض التيزاب , ذلك الحكم البعثي الشمولي والذي دام ل35 عاما وسميت بالحقبة الصدامية ، ولم تكن البلاد العربية أحسن حالا بل عانت المزيد من الظلامية وكم الأفواه ، وأحسن من وصف هذا العهر السياسي العربي هو شاعر الياسمين والسكين " نزار قباني "
مواطنون --- دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مقتلعون نحنُ كالأشجار من مكاننا
عيوننا تخافُ من أصواتنا
مسافرون في سفينة الأحزان
وشيخنا قرصان
مسافرون خارج الزمان --- والمكان
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره أمامنا
مراقبون نحن في المقهى --- وفي البيت
وفي أرحام أمهاتنا
يا وطني كل العصافير التي تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان
--------------------------------------
أديب وباحث عراقي مقيم في السويد
في كانون أول 22
مصادروهوامش البحث
-جورج أورويل – روايته 1984ترجمة الحارث النبهان
- جورج أورويل-روايته الحنين إلى كاتالونيا 1938- ترجمة وتحقيق عبدالرحمن حسن – دمشق –وزارة الثقافة السورية
- كتاب شخصيات لها تأريخ / للكاتب السوري جلال أمين
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
31-12-2022 12:08
الاديب الملهم الاستاذ عبدالجبار نوري
براعة في اختيار المواضيع الادبية الهادفة والرصينة , التي تعطي اهمية بالغة للانسانية والوطنية والثورية . نتأمل خيراً في العام الجديد , في تصدع جمهورية الخوف والفساد المليشياوية في العراق , جمهورية الديستوبية للعمائم الدينية المزيفة . يسرقون اموال العراق في سبيل مرشدهم الارجنتيني , لانعاشه من الموت المحتم عليه , بفعل شرارات ثورة الحجاب .
وبمناسبة اعياد الميلاد والعام الجديد , أتمنى لك صديقي العزيز كل الخير والصحة والعافية والعمر المديد , لتبقى شعلة متوقدة يسطع نورها في الادب الملتزم , وكل عام وانت وعائلتك الكريمة بالف خير وعافية
لا يوجد اقتباسات