تارا التي لا تُحِبُ الجنود

تارا التي لا تُحِبُ الجنود


قبلَ خمسينَ عاماً
(ساقوني) إلى السليمانيّةٍ جُنديّاً.
فورَ وصولي أحببتُ جميع نساء المدينة.
ولا واحدةٍ منهنّ أحبّتني.
(الكرديّاتُ)
يكرهنَ الجنود. 
كانت أجملُ امرأةٍ بينهنّ (تارا)
وبالطبع .. كنتُ أُحِبُّ (تارا)
و بالطبع .. كانت (تارا) لا تُحِبُّني
(تارا) التي.. لا تُحِبُّ الجنود.
عندما أذهبُ إلى السُليمانيّةِ الآن
يُصادفني وجهها
الذي يشبهُ (مّنَّ السماواتِ) جدّاً
و يغُصُّ   قلبي
بالكثيرُ من الضوء
في عشبها الأخضر الفاحم
وبالكثير من الكلمات
في فمها الذي يقولُ أشياءَ صغيرة 
تشبهُ (النمنمَ) الكُرديَّ
عندما (يدبُكُ) فوق فستانها الأسوَد
و يتطايَرُ القليلُ  منه
فوق روحي.
عندما أذهبُ إلى السُليمانيّةِ الآن
عادةً .. لا أجِدها
لا أدري لماذا النساء
شبيهاتُ الحقيقةِ
يكذِبْنَ عَلَيّ.
عندما أذهبُ إلى السُليمانيّة الآن
أمشي في شوارعها وحدي
لا عسَلَ لي في فَمِ (تارا)
يدفَعُ الجوعَ عنّي
ولا جبلاً من رائحةِ (العِلْجِ) المُرِّ
يعصمني من الغرق
في ظَهرِها الشاسعِ البهيّ
ولا قليلاً من حَطَبِ شجرةِ (البطم)
ترميهِ (تارا)
على بَردِ روحي.
عندما أذهبُ إلى السُليمانيّةِ الآن
أتذكّرُ (تارا).
ماكان ينبغي لي عِشقُ (تارا) إلى الآن
(تارا) التي لم تكُن
تحبُّ الجنود.
لماذا السيّدةُ السُليمانيّةُ
التي تشبهُ الليلَ
طويلةٌ مثل (تارا)
كأنّها يومٌ قديم.
عندما لا أذهبُ إلى السُليمانيّةِ الآن
لا شيءَ يحدثُ لي
كأنّني لم أكُن يوماً هناك
وكأنّ بغداد
ليست نسياناً سابقاً
يتذكّرُهُ الآنَ
رجلٌ طاعنٌ في السِنِّ
تُحاصِرهُ (التاراتُ) حديثاتُ الولادةِ
و يشعرُ بالخذلان.

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

جمعة عبدالله

28-10-2021 10:11

الاديب القدير نص نثري يحمل معاني جميلة ودلالات بليغة في المعنى والايحاء والرمز . بالطبع ان جميع نساء القرية , لا يحبن الجنود الغزاة . ولكن بعضهم يحمل طيبة ومعاني انسانية تجاه القرية ونساء القرية , ويحمل ذكريات عابقة في القلب والذهن , لا يمكن ان تمحوها الاعوام والازمان , مثل الفتاة القروية ( تارا ) تحياتي
الحسين بوخرطة

03-11-2021 11:08

حب تارا، بروائحة الطيبة وأصله الحضاري، يجعل النفس تتألم وتتحمل مآسي الفقدان. مكانة الجنود الثكنات وحماية الحدود، مهنة عزة وافتخار وحماة وطن بمؤسسات ديمقراطية. تعليمات وأوامر ويقظة مستمرة. جندي العزة يعود مسرعا شغوفا للإرتماء في حضن وردة في انتظاره. نص نثري مدهش ورائع سيدي عماد عبداللطيف سالم، الكاتب، والشاعر والاستاذ الأكاديمي في علم الاقتصاد الفذ. حفظكم الله ورعاكم وأدام عليك تحفيزات التألق ومتعة القارئ. معزكم أخوكم الحسين بوخرطة

التعليقات

إدراج الإقتباسات...