جائزة نوبل---- ونجيب محفوظ ؟!

جائزة نوبل---- ونجيب محفوظ ؟!


لم يعد نجيب محفوظ يعدُ كاتباً متميّزاً عميق الصلة بمجتمعه وقضاياه وتحولاته بل أصبح عظيماً بنظر الكثير من أعمدة الأدب الأنساني على جغرافية هذا الكوكب الجميل ، وخصوصا عندما دعته جريدة اللوماند الفرنسية : نجيب محفوظ ((ملك الرواية ).

لماذا مُنح نجيب محفوظ جائزة نوبل عام 1988 ؟

- لأن نجيب محفوظ هو الأفضل على الأطلاق من أبناء جيله ، بدليل كانت جائزة نوبل أول وآخر جائزة تعطى لعربي

- إن الرواية فن من فنون الكتابة تضاف لها الموهبة وحتى هذه المقومات التي ذكرتها لا تكفي لقد أضاف لها نجيب التجديد في فن كتابة الرواية أي أكد فيها على الشخصيات التي أحاطها بهالة من الواقعية السحرية  والتي سميت فيما بعد بمدرسة نجيب محفوظ .

- وجدتُ في جميع رواياته وخصوصاً أولاد حارتنا ومعجزة الحرافيش كان قريبا ً من الأنسان المصري ويكتب عنهُ دوما يجعلك أن ترى في خضم أرهاصات الصراع الطبقي في الطبقة الوسطى شخصنة مصر أم الدنيا .

- أصرار نجيب محفوظ على المطاولة في الكتابة حيث كان يقضي ثلاثة أرباع يومه أحيانا في الكتابة .

- تمكن من أن يجعل من الكلمات ( كائن حي ) عجز الأدباء المعاصرون مجاراته .

- تمكن نجيب من خلق ( الوعي ) عند الشباب المصري وهنا وضع أصبعهُ على ( كود ) التغيير ، كما قال كارل ماركس :أن العوز والجوع لا يكفي للتغيير ما لم يكن مقروناً بالوعي والأدراك بالتغيير .

- من أهم المحطات التي رفعت نجيب إلى النجومية هو تحويل رواياته إلى أفلام سينمائية ومسلسلات ومسرحيات .

- نجيب محفوظ1911-2006 روائي مصري أول أديب عربي حاز على جائزة نوبل في الأدب ، تدور أحداث جميع رواياته على مساحة جغرافية مصر ، ويؤكد في نتاجاته الأدبية ثيمة ( الحارة ) التي توازي العالم ، فقد شغل ذاكرة الأمة الأدبية والثقافية بعالمه الروائي والقصصي المتسم برموزه وشفراته المراوغة والتي أصبحت حبلاً سريا مغذياً للسفر التراثي الأدبي لعصرنا الحاضر ورافداً غزيراً لا ينضب من الأعمال الرصينة ذات الشفافية العالية لسفرالأمة الثقافي ... 

- فهو العزيز في زمن الجدب ، فصاغ لنا مفهوم الحداثة ببراعته الفائقة وبشخصنة محفوظ المعصرنة بناءاً ومادة وتكنولوجية بمقاربات في التطور الجمعي السوسيولوجي والتي يهدف منها محفوظ في أعادة صنع الأنسان المصري ضمن حاضره ليستشرق فيه المستقبل بخطى واعية ونظرة حصيفة وقدرة على الأبتكاربدون قيود ويجعل لها رافعة واحدة  هي ( التعليم ) . 

- لذا تفتحت أمامهُ كل سبل المجد بفوزه بسيمياء الشخصنة المحبوبة قبل فوزه بجائزة نوبل ، حيث تمكن برصانة أسلوبه السحري في أختيار الألفاظ من الحصول على رضا ( اليمين والوسط واليسار) والقديم والحديث ، فنجيب محفوظ مؤسسة أدبية أو فنية مستقرة وضعت هذا الأديب الأسطوري بموقع المؤسسة الشعبية . 

- ولأن أسلوبهُ يجمع بين الحدث التأريخي والحكواتية الشعبية الواقعية ، ويعتمد الرمزية الجزئية وبواقعية سحرية غريبة ينحو مندمجاً مع الرمز الكلي بدلالاتٍ متعددة منتجاً أكثر من تفسير .

- وأن عالم محفوظ يضمُ بين جنباته عدة مدارس في آنٍ واحد فهو ينحو من الواقعية النقدية ألى الواقعية الوجودية ثم ألى الواقعية الأشتراكية أضافة ألى تزويق الرواية بجماليات السريالية ، لذا وجد النقاد بأنهُ  (متحف ) لألمامهِ الموسوعي بجميع مذاهب ومناهج وأتجاهات النقد الأدبي أبتداءاً من التأريخية وأنتهاءاً ب( البنيوية ) . 

- كما تحتوي كتاباته على مفارقات تنحو أحياناً كثيرة ألى التعداد والتنوع والتضارب والتعارض ومتناقض الأضداد فأنهُ يقدم حالة نموذجية لدارسي ( الهرمينوطيقا الأدبية )* فهو يقدم مادة غنية  لألوانٍ مغايرة في الدرس النقدي وهو ما أطلقتْ عليه الحداثة الأدبية أسم نقد النقد أو ما بعد النقد (الناقد الراحل حسن سرمك) . 

- فهو كاتب البرجوازية الصغيرة والفقيرة المعدمة والتي تكافح من أجل البقاء ولأجل أثبات وجودها ، فهو أكثر فهما للطبقة الوسطى وأقدرهم تعبيرا عن مشاكلها ودقائق حياتها وكشف واقعها وطبيعتها والظروف التأريخية والحضارية وطبيعة القوى الأجتماعية وصراعاتها وحركتها التأريخية التطورية في المجتمع المصري بالذات ، فوضع للمتلقي رؤية واضحة عن الظواهر الأجتماعية بتقديرات سلبمة { فهو ديمقراطي تقدمي في مجتمع شرقي غيبي } .

- وأن كتاباته الروائية أو مجموعاته القصصية تربطها مجموعة من العلاقات تتخلل النصوص جميعاً وتوحده ألى نصٍ واحد كما نرى هذا المنظور في رواياته : أولاد حارتنا واللص والكلاب والقاهرة الجديدة وعبث الأقدار .

لذا أستحق أديبنا المصري العربي جائزة نوبل بجدارة فائقة .

وقد أخترتُ رواية أولاد حارتنا لكوني أعتبرها نموذج متكامل لأدب الواقعية السحرية :

أولاد حارتنا --- هذه الرواية قد كتبها محفوظ بعد ثورة يوليو1952 بعد أن رأى أن الثورة أنحرفت عن مسارها ، ولم يتم نشرها في مصر ألا بعد 2006 ، ولعل ملخص القصة تبدأ ببطل الرواية ( الجبلاوي ) كان شخصاً عنيفاً صلباً متسلطاً ومزواجا لهُ الكثير من النساء – وهنا عقدة الرواية في أحتدام الجدل بين الأوساط الدينية بأن محفوظ يقصد بالجبلاوي الذات الألهية لذا كفروا الكاتب ومنعوا نشر الرواية ، وتعرض لحادثة أغتيالٍ فاشلة في 14 تموز1994 من جانب أنصار التيار الديني المتطرف .

وحسب أعتقادي الفكري وقراءاتي المتعددة للرواية وفي أزمنة مختلفة : أرى أن محفوظ يقصد بالبطل رمزيا بالحكومات المستبدة الذين حكموا مصر الفراعنة والمماليك والأتراك والأسرة الفاروقية وعساكر أنقلاب تموز، أما الأخوة عباس وجليل ورضوان – عدا أدريس – يمثلون الطبقة الضعيفة والمستلبة في المجتمع المصري . أنتهج فيها أسلوباً رمزياً يختلف عن أسلوبه الواقعي ، فهو ينحو في هذه الرواية جاهداً على أبرازالقيم الأنسانية التي نادى بها الأنبياء كالعدل والحق والسعادة الروحية ، وربما أعتبرتْهُ نقداً مبطناً لبعض ممارسات عساكر الثورة والنظام الأجتماعي الذي كان قائماً.

وعلى العموم كانت أكثرجدلاً من حيث المضمون بين الأوساط الدينية بالذات ، حاول الكاتب أن يصوّر للفقراء والمعدمين مدى الظلم الذي لحق بهم وبالبشرية عموماً منذ طرد آدم من الجنة وحتى اليوم حيث الأشرار يعيثون فساداً في الأرض ويستبدون ويستعبدون الضعفاء وقد غلقوا أبواب الأمل أمام الطبقات المسحوقة أن تتمتع من نصيبها في الحياة .

- سلط ضوءاً على العبودية والقهر مبيناً وبجرأة فائقة حركة التأريخ في الصراع الطبقي للمجتمع المصري الذي يعيش الخوف والجوع ووضوح الفروق الطبقية بشكل مذهل ورهيب ، ووضحها محفوظ ببراعة بليغة وهو يحرك خيوط شخوص الرواية في توزيع الأرث من قبل رب الأسرة بصورةٍ غير عادلة تكتنفها الأنتقائية والأزدواجية والتحيّزْ والتعسف بأعطاء الحظ الأوفر ل (أدهم) والذي يقصد به آدم وحرمان ( أدريس ) الذي يقصد به أبليس، وبهذه الرمزية وهي الصفة المتعارف عليها عند الحكومات المستبدة ، وهي أدانة للنظم الشمولية والدكتاتورية . 

 وأنهُ لم ينتقص من الدين ورموزه ولا من ثوابته ومسلماته الفكرية بل هو أستعملها كماشة نار في تقليب الحوادث المأساوية على مساحة جغرافية مصر والعالم العربي ، وما كانت حكاية ( عرفة ) في نهاية الرواية والتي رسم له شخصية معرفية وموسوعية لكي يجلب أنتباه القاريء والمتلقي بأن رافعة التغيير تكمن في ( التعليم والمعرفة ) الذي يمثله (عرفه ) وجعل العلم البلسم الشافي والطريق القويم ألى " أولاد الحارة " في النهوض من كبوتهم ، ولعل أهم شاهد على عدم تعرضه للأديان وبالذات الدين الأسلامي هو ما جاء في الصفحة 583 من الرواية ( ---الدين الذي هو منبع قيم الخير والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا).

  وكان يرى أن الدين قد أُستغلّ ووظّف توظيفاً خاطئاً أدى ألى شقاء الأنسان كما رأينا في سطوة الكنيسة في القرون الوسطى والفتوحات الأسلامية في القرون الماضية وتعسف الدولتين الأموية والعباسية وعبث ولصوصية الدين الراديكالي بعد 2003 وتسلطه على رقاب العراقيين بعد الأحتلال الأمريكي البغيض . 

-وأعتقد بأن أتهام محفوظ بالزندقة والألحاد فهو محض أفتراء على الرجل حسداً وغيرة لنجوميته الأدبية المتألقة وهو الأديب العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الأداب ونتاجاته الثرة التي وصلت ألى أكثر من خمسين بين روايات وقصص وبحوث ونقد ، وسوف أفند بطلان هذا الأتهام الظالم بأن محفوظ في مجمل سير الرواية آمن بالموت جبلاوي ، وهل تموت الآلهة ؟؟؟وكذا بطله العلامة ( عرفه ) مات وفنى كجسد وبقيت معارفه شاخصة ألى الأبد ، وهنا أتكأ محفوظ على ركيزتين في أحترام الثوابت الدينية وهما { الخلود لله والموت والفناء للبشر وركيزة العلم } ، وثم أصطفاف أعداء الرجل من رجال الدين والأزهريين والمد الأخواني ووعاظ السلاطين وجماعة الوفد وعساكر الثورة البورجوازية ورجال الحقبة الملكية التي عاصرها الكاتب والذين أخضعوا مصر للمستعمر ، وهو الذي سفّه آراء من أعتقد ويعتقد أن الأمور سوف تتغيّرْبعد ثورة 1952 معلناً حقيقة تأريخية ( أن صنماً هُدم ليبنى صنماً آخر أو بعبارة أدق ذهب الظالم وبقي الظلم ) وعرض بشكلٍ جزئي سلبيات نظرية الحق الألهي في فرض عبودية بطل الرواية الجبلاوي على أسرته وهي رموز تشبيهية لدكتاتوريات حكام العرب قديما وحديثا ، وأن تشبيهات الكاتب لشخوص الرواية بالرموز الدينية قد خدم النص والفكرة التي أنشيء من أجلها المتن .

أخيراً/ لقد آن الأوان لأولاد هذه الحارة أن يعرفوا سر ضعفهم وخنوعهم وأن يثوروا لكرامتهم وكبريائهم وأن يلقوا بالتخلف والجهل والأنقياد والعبودية بعيداً ، هذه هي الروح التي تبنتها الرواية " أولاد حارتنا " فهو لم يدعو للحرب بل للحوار والسلم لذا أنهُ أستحق جائزة نوبل . 

وأن الرواية تبشر بيومٍ يستطيع فيه الأنسان أن ينتصر على السلطة الغاشمة وأدواتها الفتوات والبلطجية وعاظ السلاطين والجهل وكانت آخر كلمات الرواية والتي حركت مشاعري وأحاسيسي من الأعماق { --- لكن الناس تحملوا البغي ولاذوا بالصبر وأستمسكوا بالأمل وكانوا كلما أضرّ بهم العنف قالوا لابد للظلم من آخر ولليل من نهار ونرى في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب } ،  نعم... نعم سوف يولد يوم جديد .

 تحية لنجيب محفوظ الذي وصفته جريدة لوموند الفرنسية في أحد أعدادها في الثمانينيات قائلة ( صباح الخير يا ملك الرواية ) .  

*الهيرمنيوطيقا : هي نظرية أدبية تعني بالمعنى الدقيق للكلمة: الدراسة المنهجية لطبيعة الأدب ، فهي مرتبطة بمذاهب الفلسفة وعلم الأجتماع وهي فن دراسة فهم النصوص في فقه اللغة واللاهوت والنقد الأدبي لذا يستعمل الأصطلاح في الدراسات الدينية (ويكيبيديا للحرة )....

هوامش البحث / 

- جبرا أبراهيم جبرا – الأسطورة والرمز – ترجمة – بغداد 1973 ص 258 -نت 

-سليمان الشطي – الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ- الكويت 1976 ص29 

- لويس عوض – دراسات في النقد والأدب – القاهرة ص 345 – ص346 

- احمد ابراهيم الهواري - مصادر نقد الرواية في الادب العربي الحديث – القاهرة 1979 .

- ادور الخراط – عالم نجيب محفوظ –مجلة المجلة 1963 – ص 37

*كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد /

كانون ثاني 2022

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

أستاذنا الفاضل الأديب الباحث والناقد الأخ عبد الجبار نوري،

 

قراءة قيّمة لأحد الأعمدة العربية والعالمية الكبيرة (نجيب محفوظ). مررتَ به قارئاً مثابراً حريصاً، ومحلّلاً وباحثاً وناقداً ذا بصيرةٍ وبصرٍ نافذ. قدّمت لنا على طبقٍ منَ القراءة العميقة ماكان وما قدّمَ هذا العِمادُ الراسخ في فنّ القصة والرواية من أعمالٍ خالدةٍ إنسانيةِ القيَم، وواقعية المضمون، أحداثاً، وشخصياتٍ، وهدفاً. لذا ترك بصمةً عظيمةً في فنّ الأدب عموماً، والرواية خصوصاً، ما زالتْ آثارُها قائمةً، وستبقى.

 

جهدٌ كبيرٌ منكم للتذكير والتسجيل والأرخنةِ لهذا السِفر الراقي.

 

لـ(نجيب محفوظ) ومنتجه الأدبي، وفنه الروائي، كبيرُ الأثر في نفوسنا، وذاكرتنا، ووعينا، وفننا الأدبي، وموقفنا من الأدب عموماً، وأعني تأثرنا بالواقعية عموماً، والإشتراكية خصوصاً.

 

كانت لقصصه القصيرة الأولى "همس الجنون"، ورواياته التاريخية الثلاثة: "عبث الأقدار"، و "رادوبيس"، و "كفاح طيبة"، ثمّ رواياته الواقعية: "القاهرة الجديدة"، و "السراب"، و "زقاق المدق"، ثمَّ ثلاثيته العظيمة "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية"، كان لكلّ هذه الأعمال أُثرٌ بالغٌ في تربيتنا الفكرية والأدبية، وترسيخ لما نكتب، وسِفرٌ لما نتغذّى به من فنٍّ ومضامينَ وأسلوبٍ ولغةٍ وفكر، ونحن في مسيرتنا الأولى، وحبوِنا في دربِ الفنّ الأدبيّ. الحقَّ أقول بأنّ للثلاثية نحتُها الكبير والخاصّ في نفسي، وقرأتها مراتٍ عديدةً. وأ‘دُها أعظم ما كتبَ من الرواية الواقعية الطبيعية، بكلِّ تفاصيل حياة الشخصيات ووصفِ الأماكن بدقّةٍ قلَّ نظيرُها. كنتُ حين أٌقرأها أحسُّ وكأنّني أشاهدها بكاميرا سينمائية دقيقة، تدخلُ كلّ زوايا الأماكن، وأحاسيس وخبايا الشخصيات.

 

كنْتُ وأصدقائي من المهتمين والمتابعين، نقرأ كلّ رواية له ثمّ نجتمع لمناقشتها. كانتْ أياماً بجمال وقيمةِ تاريخ ما كان يعرضه في رواياته.

 

لا أبالغُ ولا أفاخرُ بأنّي منذ نعومة وعيي وشغفي بالقراءة منذ الدراسة في المرحلة المتوسطة ثم صعوداً كنتُ أقرأ له، وأول ما قرأتُ هي مجموعته القصصية (همس الجنون) الرائعة، ثم التاريخيات، وهكذا.

 

أما (أولاد حارتنا) فهذا أمر آخر. وقد تلاقفناها حين طبعت في بيروت عام 1962 ، وكما ذكرتَ كانت ممنوعة في مصر؛ لما اوردتَ من سبب. وقد طبعتها دار الآداب لصاحبها الأديب والروائي (سهيل إدريس). وقد أشارت اليها لجنة جائزة نوبل في إعلانها عن منحه الجائزة.

 

أما بصدد القراءات والتحليلات في الرواية فهي كثيرة كما تعرف وأشرتَ. هنا أود أنْ أذكر حالةً من التحليلات والتأويلات لرواياته:

كتب الناقد المصري الراحل "رجاء النقّاش" عن رواية "زقاق المدق" في ستينات القرن المنصرم، حيث فسّر المضمون سياسياً، بأنّ البطلة "حميدة" ترمز الى مصر، والبطل حبيبها وخطيبها "عباس الحلو" يرمز الى شعب مصر المكافح الذي يحبُّ وطنه (حميدة) ويكافح في الحياة كي يوفر له عيشاً رغيداً، إذ عمل في المعسكرات الإنجليزية ليحصل على المال اللازم لزواجه، وأما "فرج" فيرمز الى الخائن من أبناء مصر الذي يبيع وطنه الى الإنحليز بعد أن أغوى حميدة الحالمة بحياة الرفاهية، وقدّمها الى الضباط الإنجليز لقمةً سائغةً، لتقع فريسة لشهواتهم.

 

حين سُئِلَ نجيب محفوظ عمّا إذا كان يهدف ويرمز بالرواية وشخصياتها الى ما قاله النقّاش، أجاب بـ(لا)، كان يريد من الرواية عرض الواقع الحياتي للشعب المصري وطبقاته الإجتماعية أثناء الحرب الكونية. أي (الواقعية).

 

أما بصدد منحه جائزةَ نوبل، أظنُّ أنها كانت إثابة ومن أثمان معاهدة السلام المقدمة لمصر، وكذلك لموقفه الإيجابي المؤيد للسلام بين مصر واسرائيل، واتصالاته ببعض الإسرائيليين، والذي أوضح ذلك بنفسه حين قال بأنه أضطر لمصلحة مصر، ولأنّ البعض من الدارسين الإسرائيليين الأكاديميين وطلاب الدراسات العليا قد كتبوا عنه، وبحثوا فيه لنيل الدرجات العلمية في الجامعات الإسرائيلية.

هناك العديد من كبار الكتاب العرب العالميين امثال: أدونيس، والطاهر وطّار، وآسيا جبّار، وسعدي يوسف، وغيرهم كانوا على قائمة المرشحين لسنواتٍ طويلة ولم يحظوا بها، مع أنهم يستحقونها. والسؤال هو: لماذا؟ وهذا ليس ضد منحه الجائزة عن جدارة واستحقاق، وإنّما للتوضيح كرأي فقط يحتمل الصوابَ والخطأ.

 

وبالمناسبة سبق لي أنْ كتبتُ قراءةً نقديةً في سبعينات القرن المنصرم عن روايته (حبٌّ تحت المطر) نشرتها صحيفة "الجمهورية" في وقتها.

 

شكراً لكم على هذه الوجبة الدسمة التي أعادتنا الى زمن العظماء، وأعاظم الروايات والشخصيات.

شكراً

عبد الستار نورعلي

الخميس 6 يناير 2022

التعليقات

إدراج الإقتباسات...