لم أكن أعرفُ جُمعهْ
قبل أن يُرهف ملهوفًا إلى نجوايَ سَمعَه
عندما حدثته عن منزلٍ في كنفِ " الطور"(1)
به قد كان لي أهلٌ وأصحابٌ و" جَمعَه"
وعن الغاصب والسمسار قد ساومنا دهرًا
فما لان أبي يومًا
ولا هان على أميَّ بيعهْ
غير أني مثلما تُبصرني
أذرع أرض اللهِ
قد أمضيت عمري حالمًا يومًا برَجعهْ
ولقد أبصرت" جُمعه"
ذاهلًا مختلجًا يَحبسُ دمعه
عندما أخبرني:
كان له في حضن" حرمونَ"(2) الجنوبيَّ
الذي يرنو إلى البحر الجَليليِّ (3)
على الخاصرةِ اليُمنى، ببطن السفح
بستانٌ وضَيعه
ومضى"حرمون" ما خلَّفَ لي من يومها
غير تباريحٍ ولوعهْ
ونضا من يومها ما عمّمَ الثلج به هامته
حسنًا ورَوعه
فكلانا يا صديقي جاء من خربة " خَزعة"(4)
لم أكن أعرف" جمعه"
قبل أن يَذرف من عينيه دمعه
عصر ذاك اليوم
إذ عانقني في صالةٍ
تستقبل الآتين من موتٍ إلى دنيا الحياة
عبروا البرزخ إذ عادوا إلى أحبابهم بين رجاءٍ وصلاه
يومها امتدت ذراعا صاحبي الملتاع " جمعه"
بالتهاني والأماني
وتعانقنا طويلًا
فكلانا كان يذوي مثل شمعة
وافترقنا في مساءٍ يوم جُمعه
إنني أذكر يومًا ودّعتنا يدُ " جمعه"
لوّحت من وجدها أيدٍ
ورَفَّتْ أعينٌ شوقًا ولوعه
ذلك الرَوعُ الذي جَمّعنا من كل حدبٍ
إخوةً يصهرنا الخطبُ
فينسى كل موجوعٍ شكاواهُ ورَبْعَه
ذلك اليوم الذي استودعتُ فيه الله في بغدادَ
أحبابًا وأرواحًا وأشباهًا لـ"جُمعه"
كلما أذكرهُ تنهلُّ من عينيَّ دمعهْ
( 1 ) الطور: هو جبل الطور أو " جرزيم " الذي يحد مدينة نابلس من الجنوب
(2) حرمون هو جبل الشيخ
(3) بحر الجليل هو بحيرة طبرية
(4) خربة خزعة : رواية للكاتب الصهيوني " يزهار سميلانسكي "تصور الاستيلاء
على قرية عربية وطرد سكانها والحلول مكانهم .
يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا
12-01-2022 01:08
الشاعر القدير الاستاذ فيصل سليم التلاوي ........
قصيدة ملهمة في منصاتها ومنطلقاتها الفكرية . لقد خرجت من اعماق احاسيس الوجدان بهذا التلهف المرهف والملتهب بنيرانه . صياغة مكتملة الاوصاف بكل جوانبها الفنية واللغوية , وفي البوح الشجي في اغصانه التي تبرعمت بالاشجان والهموم . حقاً كما يقال : الغريب للغريب نسيب أو رفيق ....... أو كلنا في الهم والهموم سواء , في عشق الوطن والارض , هذا العشق الذي يكبر داخل القلب ليصبح اشجاراًعالية . هذا الحب لا يمكن ان يدفن ويسدل عليه الستار ,بمرور السنين والاعوام , يبقى نقياً في القلب كزهرة الياسمين البيضاء , في الوفاء والحس الانساني النقي , تبقى ذكريات الوطن والارض حيه تعيش مع الذاكرة وعروق الدم . تبقى النكهة العشقية للارض والوطن سواء داخل الوطن أو في المنافي البعيدة والقريبة . هذه الهموم الانسانية والوطنية تبقى نابضة في عروق الدم في طعم العشق والوفاء والحنين . ولا يمكن لجروحها ان تندمل إلا بعودة الشمل والاحبة والارض والوطن . هذه الانثيالات الشعرية باحساسها الصادق والنزيه , تدلل بأن اسمى درجات العشق والوفاء والحنين والحب . هو عشق الارض والوطن . اسمى الاحاسيس الانسانيةالصادقة والنزيهة , هي تشدو بأنغام القلب للوطن , ولا يمكن لرماد السنين ان يفتتها , بل أن نيران رماد السنين تشد اكثر فأكثر للارض والوطن , هذا الارتباط الروحي بالحبل السري متعلقاً بهموم الارض والوطن حتى في المنافي . هذه الرفعة الانسانية والوطنية تألقت كالازهار للوطن والاحبة والوفاء والحنين . اضاءت ابجديتها في هذه الصياغة الشعرية التي تنفست برئة الارض والوطن والاخوة والوفاء في معاني صورها البليغة ودلالاتها العميقة والنبيلة ...................
مثلما جروح فلسطين تنزف , كذلك جروح العراق تنزف ايضاً . اصبحنا كلنا ( جمعة ) بهذا الشوق الى الوطن والاخوة الانسانية النقية رغم همومها وعذاباتها . فكل ارواحنا وعواطفنا وخلجاتنا تهفو الى الارض والوطن والى الناس الشرفاء والطيبين . كل عاشق الارض والوطن يحمل مأساة شعب ووطن , سواء في فلسطين أو في العراق , أو في اي بقعة عربية آخرى . هذا الحس الانساني يكبر مع السنين , كلما زاد البعد والافتراق .............
قصيدة مدهشة في الصياغة ومنطلقاتها التعبيرية , تدل على الاشجان الانسانية النبيلة لن تموت وانما تظل حية في عروق نبضات القلب .........
صديقي العزيز مدهش في هذه الصياغة الشعرية البليغة . قصيدة الوفاء والحب للاخوة والارض والوطن .........
ودمت بخير وصحة
13-01-2022 01:11
الأخ والصديق الأديب الناقد جمعة عبد الله المكرم
لعل أجمل ما حمله هذا النص الشعري ومن قبيل محاسن الصدف أنه قد جمع بين اسمك واسم صديقي القديم جمعة ذياب الذي أهديته هذه القصيدة قبل نيف وعشرين عاما.
وهي في حقيقتها تعبر عن هم شخصي لكنه اتسع ليشتمل على بعد وطني وإنساني مأساوي، وذلك قبل أن تتسع جراحنا لتشمل أوطاننا كلها وكانت قبل مقتصرة على فلسطين. وقد استطعت بخبرتك وثاقب نظرتك أن تنفذ إلى أعماق النص وأن تستخلص منه من الأحاسيس والمشاعر أكثر مما قصد إليه قائله، وقديما قيل: ( رب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع) وكذلك رب ناقد ذو بصيرة أدرى بالنص من صاحبه.
تحياتي لك يا صديقي وجزيل شكري وتقديري لكرم زياراتك التي تضيء بها على نصوصي شعرا أو قصةً، ودمت بخي وعافية وسعادة.
لا يوجد اقتباسات