حزن الغربة في المجموعة الشعرية (لا أحد يعرف أسمي) للشاعر خالد الحلّي

حزن الغربة في المجموعة الشعرية (لا أحد يعرف أسمي) للشاعر خالد الحلّي


يمتلك الشاعر الأستاذ خالد الحلّي تجربة غنية وخبرة طويلة في الصياغة الشعرية العميقة في الإيحاء البليغ في المعنى والمضمون.  ولديه اسلوباً شعرياً متميزاً يثير الشجن والحزن، منبعثاً من معاناة الغربة التي يعيشها أولاً، وما آلت إليه الأوضاع داخل وطنه، من اهمال، وتجاهل وحرمان، ثانياً.

اما في الوطن الغريب أو (البديل) فأنه يشعر وكأنه مجهول أيضاً، لا يعرفه أحد، ولا يهتم أحد بما يكتب.. 

هذه هي نفس المعاناة التي يحملها كل أديب مغترب حين يحط رحاله في أرض غير بلده. 

تصبح مشاعره وأحاسيسه وكأنها أوراق مبعثرة وتائهة في عالم المنفى، مما يخلق تجربة ذاتية قاسية في وطن المهجر. والشاعر يتكلم عن تجربته الحياتية في وطن الكنغر (أستراليا)، فيحاول وينجح في ترتب ابجدية حروف قصائده من نبض إحساسه العميق، الذي يعزف على اوتار الحزن. 

في قصائد مجموعته الشعرية لا أحد يعرف أسمي، (والتي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية من قبل الأستاذ رغيد النحاس). يشعر القارئ من خلالها بأنه أمام أحاسيس عميقة تثير أشجاناً موجعة، لجفاف الحياة في المنفى، والتي أضحت مشابهة لجفاف وقسوة الحياة في الوطن الأم الذي تركه وراءه لنفس الأسباب.  فأينما رحل في ارض الله الواسعة، يجد حزناً جديداً، ويبدو أنها دوامة من المعاناة يعيشها كل أديب مغترب، فالشجن يجري في عروقهم.  

 

ورغم جمالية قصائد المجموعة الشعرية، لكن خلفيتها تحمل حزناً واضحاً وعميقاً يضرب في أعماق وجدان الذات، فالشاعر لا يقف متفرجاً من فوق التل على خضم المعاناة، وإنما يعيشها ويلتاع بنيرانها، وقطار عمره يركض مسرعاً، مخلفاً ورائه محطات قاسية المعالم، لذلك تأتي النصوص الشعرية في نوتات ايقاعية موسيقية شجيه.

 

برز خالد الحلّي منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي كشاعر وصحفي له صوت مميز وله ذائقة شعرية متفردة. أصدر مجموعته الشعرية الاولى (مدن غائمة) عام 1988 في الرباط / المغرب تلتها هذه المجموعة الشعرية (لاأحد يعرف أسمي) اصدرها في (أستراليا) تحتوي على قصائده التي كتبها من عام 1988 الى عام 2018.

 

وهذه شذرات من قصائد المجموعة:

....

لِمَ لا تتركنا؟

أيها الحزنُ العراقي الطويلْ

أيها الحزنُ الذي يمتدُّ من جيلٍ لجيلْ

لِمَ لا تتركنا؟

لمَ لا تتركنا؟

 

***

خارطةُ الايامِ سنينٌ مبهمةٌ

ترهقني في كرٍ أو فرْ

تغرق أفراحي في مدِّ أو جزرْ

أيامي تعدو ذاهلةً

قد ترتد بها الساعات ولا ترتدّْ

قد يأتي بعد الجزر المدُّ ......

وقد يرتدُّ ..... ولا يمتدّْ

تشرب دمع لساني أيامٌ خرساءْ

وترادٌ شطآن عيوني أشرعةٌ عمياءْ

ترسو ظمأى فوق دموعٍ بلهاءْ

أحلامي شرفات مشرعةٌ.

 

***

أيفل يرقي بي، وأنا اهتزُ الى الاعلى

وكنتُ الاحلى

والكلُّ هباءْ

ليتكَ كنت تقبلني ...

وأنا أهتزُ بقلبي،

ويسافرُ بي أيفل نحو صعودٍ أجهلهُ

ليتكَ كنت تلامس شعري

وأنا أرحلُ فوق مياه السينْ"

يأخذني الحزنُ الى وطني

في بابل أثوابي تبكيني

وأنا أبكي أيامي وسنيني.

 

***

بين رمادي ورمادك جمرٌ لا يهدأ:

جمرُ عراقٍ يتأرجح بالنارْ

جمرٌ لا يعرف كيف تَسلطَ فينا الساقطُ والغدارْ

جمرٌ يتوضأ بظلام أعمى يغرق في الاسرار

والصوت يتيمْ

فلنرسم يا سيدتي أمكنةً أعذبْ..

فلنستنبط أزمنة أرحبْ

لكن كيفْ؟

صامتة أنتِ، وأيدينا تورق أحلاماً

وتسابق أياماً حيرى

تتذكر أياماً أخرى

وتلكَ الأيامْ .....

تلك الايامُ تموتُ وتحيا.

***

 لا تغضبْ ... فأنا أكره أن يغضبَ مني أحدٌ

إني لستُ عدواً

وأنا لستُ مخاتلْ

أني أقفزُ مختصراً أمتاراً

لكني لا أجري مختزلاً أعماراً.

أني الزمن المقتولُ

ولستُ الزمن القاتلْ

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

خالد الحلّي

27-11-2021 11:11

بحسه الجميل، ونبض فكره النبيل، غاص الناقد الحصيف الأستاذ جمعة عبد الله عميقاً في صياغات و دلالات قصائد مجموعتي الشعرية "لا أحد يعرف اسمي"، عاكساً أضواءً كاشفةً على خلفياتها ودوافعها، وعلى معاناتي كإنسان وشاعر قبل وبعد فترة كتابتها.

لقد أعادتني كلماته إلى ظروف تلك الفترة وتطلعاتها الكسيرة، و أشعرتني في الوقت ذاته بكثير من الاعتزاز والارتياح لوجود ناقد يبذل مثل الجهد الذي بذله ويبذله على الدوام، فله كل الامتنان والتقدير

زائر

28-11-2021 11:08

الشاعر القدير الاستاذ خالد الحلي

اشكرك من اعماق قلبي لهذا التقييم والاطراء , ويرجع اولاً اليك والى قصائدك الشعرية الرائعة , التي عبرت عن حزن  ومعاناة العراقي ,  سواء داخل الوطن أو في اوطان المهجر .

تحياتي ودمت بخير وصحة صديقي العزيز

التعليقات

إدراج الإقتباسات...