لِجَدّي دائماً / للشاعر المجري: جورج پَتري

لِجَدّي دائماً / للشاعر المجري: جورج پَتري


لِجَدّي دائماً

مَرَّةً كُلَّ أسبوعينِ

كانَ جَدّي يَجلِسُ ليقرأَ

مَا تراكم مِنْ جَرائِد.

وكلَّما انتهى مِنْ بَعْضِها

يُقطِّعها إِلى وريقاتٍ صغيرة

بسكّينة تَقْطيعِ الخُبْز

لنسْتعمِلها في المَراحيضِ.

وهكذا لأسبوعين

كُنَّا نَمسحُ مؤخَّراتنا بصَوْتِ الشَّعْبِ.

كانَ جَدّي سَابقاً لعصرِهِ.

 

جَدَّتي

جَدَّتي هيَ التي رعتني

فغدوتُ عامرا

شُجَاعاً، وسيماً، قويّاً.

 

وحين بدأ إطلاق الرصاص

باعتْ سِوارها الذَّهبي

واشترتْ بثمنه وزتينِ

طبختهما، ثم بعجالة أنزلتني

إلى الملجأ..

ومنذ ذلك الحينِ وهي:

تطبخ، وتطبخ، وتطبخ

في هذا الوضع الرَزينِ.

 

كانت جَدَّتي تعرف مسبقاً

 معنى الحروب العالمية،

واضطرابات الجمهورية

والتقلبات،

والانقلابات.

ربةُ بيتٍ..

لا تعرف ما الطائفية:

لدرجةٍ، إنها كانت تُصَلّي 

في كنيسة كاثوليكية

رغم إنها لوثرية...

 

أمَّا أنا فكُنتُ انهَشُ بلحم الوزة

في الملجأ،

بينما التهمَتْ الثورة أولاد جَدَّتي.

هكذا غارت السماء على طفولتي

برحمة، وصار ذلك الملجأ غرفتي.

هناك أطعمتني جَدّتي،

وهناك قَيَّد جَدّي اسمي،

 في سجل النفوس،

ورحلت أُمي من هناك،

وشنقوا عمي هناك،

وهاجرن عماتي إلى إنكلترا من هناك،

وتزوجن، ومن هناك

إلى الجنة..

 

كان لنا تنين يُدعى،

ماتياش سالاشي*...

يُرعد ويزبد

هو آكل الأحشاء،

والصراصير،

والكناغر،

والذئاب،

والحشرات،

والآفات،

كل هذه، 

وكل تلك الحيوانات 

العجيبة، والوحشية

التي ملأت طفولتي.

 

* ماتياش سالاشي

هذا الاسم من تأليف الشاعر لكيلا يُتَّهم. فبالحقيقة هو يشير هنا إلى رئيس الوزراء النازي فيرنتس سالاشي. أما اسم ماتياش فهو يشير إلى الحاكم المجري العادل ماتياش. (المترجم)

 

نبذة عن الشاعر

ولد الشاعر جورج بَتري في العاصمة بودابست عام 1943، وتوفي في عام 2000. درس اللغة المجرية والفلسفة في جامعة أوتفوش لوران في الفترة ما بين عام 1966 وعام 1971. عمل صحفياً ثم تفرغ للكتابة عام 1974، ومنع نشر كتاباته من عام 1975 إلى عام 1981 بسبب آرائه السياسية. أسس في الفترة الواقعة بين 1981 - 1989 جريدة معارضة للسياسة المجرية (بيسلو).

 - حصد الكثير من الجوائز الأدبية أهمها: جائزة ديري تيبور عام 1994 – 1998، وجائزة يوجيف أتيلا عام 1990، وجائزة كتاب العام سنة 1991، وجائزة مؤسسة فوروش عامي 1992 -1997، وجائزة الشاعر فوروش شاندور عام 1995، ووسام إمرهَ نادج عام 1995.

- ترجم الأعمال الدرامية لبرتولد برخت ولموليير إلى اللغة المجرية.

- من أهم أعماله الشعرية: "شروح لشخص يُدعى م" صدر في عام 1971، "اندفاع مُعاد" عام 1974، "يوم الاثنين السرمدي" عام 1981، "كرة ثلج في اليد" صدر في نيويورك عام 1984، "مجموعة أعمال شعرية" عام 1986، "ما الذي تبقّى؟" عام 1989، "أشعار جورج بَتري"

 عام 1991، "الوحل" عام 1992.

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

مصطفى معروفي

28-11-2021 11:08

يبدو أن اللغة المجرية جميلة و دقيقة في تعبيراتها

بدليل أن ترجمة هذه القصيدة تجري بعذوبة واضحة

و تفصح عن مضمونها بوضوح.
بدأت يومي بقراءة ترجمتك للقصيدة المجرية الجميلة و لا شك أن يومي هذا سيكون جميلا ،

سلمت يمناك عليها أخي الأستاذ عامر.

التحيات الزكيات مولانا.

أخي الحبيب مصطفى معروفي أسعد الله أيامك بكل خير جزيل الشكر على تعليقك الجميل. حقيقة اللغة المجرية لغة ليست بالسهلة، ولكنك مثلاً تستيطع بسهولة اختزال جملة بكلمتين أو حتى بكلمة واحدة.. ومن المثير للدهشة إنها صالحة جداً للتعبير عن التهكم، وتستطيع كذلك أن تستفز الآخر بكلمة أو إثنتين.. ربما هذا هو السر وراء كثرة الطلاق في المجر ! ليس للغة مذكر ولا مؤنث، والجمع لبعض الأسماء يغير في طريقة لفظ الكلمة وعدد حروفها. قواعدها لا تشبه قواعد اللغات المنحدرة من اللاتينية.. دمت بخير وعافية وكثير من السعادة مولانا
جمعة عبدالله

28-11-2021 11:11

الاديب والمترجم القدير

الشفافية تتألق في الترجمة وهذه ميزتك واسلوبيتك  المقتدرة في الترحمة , بهذه البساطة المتناهية لقصيدة اعطت الصورة التصويرية لواقع الحال , القائم على المعاناة والبؤس والفقر  , بهذه الصورة الشعرية التي  سلطت الضوء عل المعاناة والفقر والحرمان والجدب الحياتي الجاف والناشف , بحيث الجد يستخدم ورق الجرائد بتقطيعها الى وريقات صغيرة لاستخدامها في المرافق الصحية , هذه الحالة وجدتها واستغربتها  حين ذاك في احدى الدول الاشتراكية سابقاً . وكذلك الجدة تبيع اسوارها الذهبية , لكي تشتري  وزتين للعئلة , رغم هذا البؤس والفقر الحياتي ولكن لحسن الحظ لم تدخل  أفعى الطائفية آنذاك الى الحياة  , لاكتملت صورة الجحيم الحياتي بكمالها التام . الترجمة برعت في كشف روح القصيدة ومنطلقاتها التصويرية والفكرية لكشف واقع الحال الكامل , بهذه البساطة في الصياغة الشعرية المكثفة دون اطناب وحشو  وانما بالتركيز الشعري  الشفاف والمشوق رغم انها كشفت معاناة الواقع ببراعة متناهية . 

تحياتي اخي العزيز أبا عمر وانت تنقل الروائع الشعرية للشعر المجري من لغته الاصلية

أخي العزيز أبا سلام جزيل الشكر والامتنان على جميل تعليقك، وقراتك الجادة للنص.. تلك هي معاناة الشعوب التي ترضخ تحت أنظمة تعسفية، فالخوف والحرمان هو الجو الطاغي، أما الكلمة الحرة فتبقى راياتها عالية، مهما بلغ الظلم، والأدباء هم أكثر من تخشى أصواتهم الحكومات.. دمتَ أخا وصديقاً مبدعاً ومتألقاً

التعليقات

إدراج الإقتباسات...