نصوص مثلومة

نصوص مثلومة



تناقض

أثَرُ الدمِ في مخلبِ الأسَدْ
وشارِبهِ
ولُمعَةُ العَلياءِ في عَينيهْ
حينَ ينوءُ على جثّةٍ
أوهَنَها الرَفسْ
لَيْسا ثورةً حمراءْ
تُرفَعُ مِن أجلِها الألوِيةْ
ليسا شجاعةَ الأقوياءْ
ولا دناءَة الحاقِدينْ
إنها غَزوَةُ جوعٍ
مُستباحٌ بها الأبرياءْ

**

تخاطر


كلّما أرىٰ أغصاناً عاريةْ
وساقاً جرداءْ
ليسَ حولَها غيرُ أوراقٍ
أذَلّتْها الريحُ
واستباحَ عذرَتَها الدودْ
أتلمّسُ أضلُعي
أبحثُ عن إسمٍ ليومي
أنظرُ في بركةِ ماءْ
فأرىٰ شبحاً
يُشبهُني
فأعرفْ
سَأَمضي كما ضَحايا الخَريفْ
حينَ يَكتشفُ الحُبُّ عُقمي

**

 

رحلة

بينَ صبايَ وبيني
رحلةُ قاربْ
أرهَقَ رُبّانَهُ المُحيطْ
يُغالبُ الرِيحَ
ويَرسو على الصخرِ
حالماً في ثنايا الشواطئ
وفي انقيادِ السائرِ نحوَ الظنونْ
مُبحِراً في ضبابِ المسارْ
وانتهاكِ السنينْ
حَشَوتُ آلةَ التصويرْ
بألوانِ المَرافئ
وأروقةِ المدائنْ
بانتشاء السُكارىٰ الحالمينْ
واحتفاءِ العاشقينَ في أدخنةِ الحاناتْ
يسرقونَ الثواني بخِلسةِ هاربْ
وبأضواءِ الطُرُقاتْ
بسيقانِ الحسانِ وأردافِ الحرائرْ
بالشفاهْ
بالنائمين على المصاطبْ
بأذرعٍ تُرفعُ للوداعْ
وبالنخيلْ
صورٌ ...
صورٌ ...
صورْ
بَلَغَتْ بعدَ ألفِ حينْ
مَرفَأَها الأخيرْ
معي ..
تخبرني ..
تَقَطّعَ الشراعْ
ليسَ في الخرائطِ أمكِنَةٌ
لفاقدِ المَسيرْ
فعُدتُ أحرِثُ في آلةِ التصويرْ
أستَنطِقُ الصمتَ في العيونْ
لكنّها ..
توارتْ الأسماءْ
خلفَ جدرانِ الموانئ
والوجوهِ التي مَلَّها اللونْ
ذكرياتٌ .. ذكرياتْ
أراها في هروبِ الأزمنةْ
أفُقاَ شاحباً
يجثمُ فوقَ قاربي المُهترِئ

**

عادل الحنظل

 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

رغم أن عنوان المقطع الأول من القصيدة (تناقض) لكن في صور القصيدة وأبعاد مقصودها يبدو لي وكأن هناك تضاد بالأفعال، فالحيوان يقتل عندما يجوع، أما الطغاة فيقتلون في كل وقت، وكلما زادوا ترفاً إزداد جرمهم.. هذا هو الواقع الذي ربما قاد الشاعر عادل الحنظل إلى هذه الصورة الشعرية الحاذقة المستنبطة من خبرته بالطبيعة.. تلك الخبرة التي قادته للمقطع الثاني من القصيدة (تخاطر)، وياله من تخاطر حقيقي، ففي الطبيعة إيحاءآت نراها جميلة، ولكن لو أمعنا النظر فيها واستدركنا واقعها ربما ستصيبنا الدهشة والخوف في نفس الوقت، الخوف من النهاية.. (سَأَمضي كما ضَحايا الخَريفْ)..

أما المقطع الأخير (رحلة) فقرأتها وكأنني أستمع إلى (الفالسو) الأخير، كما يسمونه..
مقطع واقعي حزايني، وكأن الشاعر نطق بكل معاناة المغتربين بلسان واحد..

دمت أخي الحبيب عادل الحنظل مبدعاً متألقاً وأمدك الله بتمام العافية 

جمعة عبدالله

23-11-2021 11:09

الشاعر القدير


 رغم ان هذا الشغف الروحي والحسي الشعري المتفجر في القصيدة، ورغم تفاوت العناوين الفرعية لمقاطعها (تناقض، تخاطر، رحلة) لكن يجمعها هرم واحد متناسق في عتبات ومحطات مختلفة من مخابئ الزمن والازمنة الغابرة، هو رحلة الانسان البري والمسالم في مغلفات الزمن والازمنة، وهو يحمل احساسه الوجداني البريء والمسالم، لا يطلب سوى التكيف السلمي في محطات الزمن، يحمل حلمه الشفاف والبسيط في الاحساس الوجداني لإنسان مستقيم ببراءة. 

 

لكن في هذا الزمن وغباره الكثيف يأخذه من خريف إلى خريف آخر في رحلة الزمن في محطاته المتناقضة والمتنوعة، يتوسم ضفاف آمنة في هذا الزمن الاغبر والمقلوب من عاليه الى سافله، بالتلاعب في معايير الزمن. 

القصيدة في رحلتها ومطبات محطاتها المتنوعة، كأنها مونتاج سينمائي لسينما الاحساس الروحي الداخلي والخارجي الجمعي الذي لا يطلب شيئاً سوى الحياة المتصالحة مع الزمن، لكنه يجد نفسه يتعثر في مطباتها الكثيرة، اينما يرحل واينما يحط رحاله بين المرافئ والمدن، يحمل حلمه كالسكارى الحالمين، وكالعاشق يبحث عن طريدته في حانات العشق. لكنه يجد كوميدية وسخرية الحياة والزمن في شكلها التراجيدي: بالمشاهدات المرئية واللامرئية: النائمون على المصطبات. والذين يرفعون أذرعهم للوداع. يرى النخيل. الصور تلو الصور، يبتلعه الحنين بأشواقه ويفتش عن مرفئ للقلب، لكنه يجد خرائط متشابكة بالضباب للزمن، خلف الاسماء والصور. خلف العيون والوجوه. خلف الذكريات تلو الذكريات، تتزاحم في الهروب من الزمن والحياة. تظهر اشياء حيناً وتتوارى حيناً آخر. مخالب الدم تنهش ضحاياها في لمعان وبريق عيونها المفترسة، وهي تنهش جثثها، ليس هي الثورة الحمراء، وانما الوية الدم المفترسة لاستباحة الأبرياء.

 

أثَرُ الدمِ في مخلبِ الأسَدْ

وشارِبهِ

ولُمعَةُ العَلياءِ في عَينيهْ

حينَ ينوءُ على جثّةٍ

أوهَنَها الرَفسْ

لَيْسا ثورةً حمراءْ

تُرفَعُ مِن أجلِها الألوِيةْ

ليسا شجاعةَ الأقوياءْ

ولا دناءَة الحاقِدينْ

إنها غَزوَةُ جوعٍ

مُستباحٌ بها الأبرياءْ

 

تحياتي ايها الصديق العزيز والشهم، الذي لا تقبل المساومة والمهادنة على الحق، تطلقها صريحة من قلبك الصافي. 

ودمت بخير وصحة

عادل الحنظل

23-11-2021 11:12

الاديب والمترجم القدير الاستاذ عامر السامرائي

نعم نحن نتعلم من الطبيعة، ولكن سطوة الانسان تجعله ينظر بعين الصغر لما حوله، وهذا الاستعلاء دمر البيئة وما فيها. ربما المتخصصون في علوم الابيئة يفهمونها أكثر فتنبسط أمامهم الصور بوضوح أكبر من غيرهم، وهذا ما أفعله دائما، تفكيري بما تؤول اليه الاشياء من حولنا اعكسه على حالنا. ما يفعله الخريف بالنبات مثلا  يفعله بنا ولكن ببطء أشد لا نستطيع تحسسه وأعني تقلب الزمن خلال حياة البشر. أما الاغتراب وأوجاعه فلا مفك منه، سيلاحقنا حتى نهاية الزمن.

أشكرك ايها الصديق الحبيب على اهتمامك واستحسانك للنصوص، ودمت بخير وسلام.
 

عادل الحنظل

23-11-2021 11:12

الناقد الثر الاستاذ جمعة عبدالله

حياك الله وتحية من القلب وشكر وتقدير لتعليقك الوافي الذي غاص في ثنايا النصوص وأظهر كل مااحتوته.
نعم ياصديقي انها رحلتنا التي نمشيها بين تضاريس تخفي عنا أشياء وتظهر أخرى، ترفع معاناتنا وتنزلها كيفما تشاء وكأننا في قارب فوق موج. حين ننظر الى الوراء نرى طريقا طويلة مشيناها، بعض معالمها اختفت للأبد فماتت بين ركام الذكريات. نحن العراقيون نعيش على الماضي لان حاضرنا كئيب، فنتلمس حدثا سعيدا هناك حصل منذ عقود جعلته السنين الصعاب يبدو استثنائيا في حياتنا. نحن أيضا نتحسر حين نرى سعادة الاخرين وكأن السعادة ليست من حقنا. هل فعلا كما يقولون هذا قضاء كُتب على جباهنا، يالها من جباه تعيسة لا يُكتب عليها غير الأسى.

دمت بخير وعافية أخي الحبيب أبا لاسلام
خالص الود

التعليقات

إدراج الإقتباسات...