هموم الغربة ومشاكلها في المهجر في رواية (علاء الدين) للكاتب قصي الشيخ عسكر

هموم الغربة ومشاكلها في المهجر في رواية (علاء الدين) للكاتب قصي الشيخ عسكر


يتميز الأدب الروائي في المهجر، بمكانة مرموقة في صنوف الأدب , بما يملك من تأثيرات  في الواقع الفعلي والملموس بالمعايشة, لأنه يتناول هموم المهاجرين ومعاناتهم في المجتمع الأوربي الجديد , بما يتميز باختلاف التضاريس والعادات والتقاليد والاختلاف الثقافي , هذه التأثيرات المهمة والحيوية  , تجعل المهاجر في حالة صراع وتنازع , وهو يخوض تجربة صعبة مليئة بالعقبات والمطبات , ساعة دخوله الى مراكز ايواء المهاجرين , أو مراكز استقبال المهاجرين .

تبدأ صعوبات التكيف والتأقلم في المجتمع الأوربي الجديد. وتجارب المهاجرين ومعاناتهم المرهقة وتأثيراتها النفسية نتيجة هذا التأقلم والاندماج في الحياة الجديدة، ينشغل عليها الادب الروائي في المهجر من كل جوانبها وتضاريسها المتنوعة  . والاديب ( قصي الشيخ عسكر ) برز في هذا الجانب أو اللون الروائي بكل اقتدار وبراعة , بما يملك من  خبرة وتجربة طويلة في المهجر بالمعايشة  والتجربة الفعلية . وقد أصدر عدة روايات عن المهجر والغربة والاغتراب , تتناول بالعمق ودلالات الفكرية البليغة  بهذه الجوانب , ويغوص الى اعماقها ليخرج منها الجوهر والمضمون الدال ,  في حياة المهجر والمهاجر. هذه الخبرة الطويلة كسبته معرفة شاسعة في شؤون الهجرة والمهاجرين , يتناول  الهموم والمعاناة بأسلوب واقعي وموضوعي جاد ورصين  , وفي ابراز المشاعر الداخلية للمهاجر وهو يواجه الصعوبات والمطبات في حياته الجديدة , والحدث السردي له امتدادات في الماضي ويجره  الى الحاضر , ويسلط الضوء على هذه الامتدادات  التي يحملها المهاجر في اعماق صدره , يعني كل مهاجر يحمل مأساة حياتية في داخله , هي التي دفعته أن يختار  طريق الهجرة والرحيل عن الوطن الأم , ليفتش عن الوطن البديل أو المأوى الجديد.

ومن ابرزها الظروف القاسية أو الكبت الاجتماعي والسياسي , من جملتها الارهاب والبطش والتنكيل في وطنه  , او ظروف الحروب العبثية التي تشدد  خناقها في الانتهاكات الصارخة , تؤدي الى اختيار طريق الهجرة والغربة عن الوطن . هذه المعاناة الإنسانية التي يحملها المهاجر في داخله. ومن منطلق هذه المعاناة يسلط الاستاذ ( قصي الشيخ عسكر ) جانباً مهماً وحيوياً في الحدث السردي في رواية ( علاء الدين ) في رسم بناء الشخوص المحورية بكل وضوح ودقة في جوانبها الداخلية والخارجية  , بما يحمل المهاجر من مشاعر واحاسيس داخلية وخارجية , فقد رسم الروائي , شخصيتان بارزتان في الرواية ,  لكل منهما سمات وخصائص وسلوك يختلف عن الآخر , وشخصية ( أحمد بلوط ) في تجربته الجديدة في المهجر ( الدنمارك ) لا تتجاوز ثلاث سنوات , وكل شاغله البحث عن العمل والاستقرار النفسي والروحي , بعدما اضطرت الظروف القاسية في العراق , في التهجير الى أيران ووجد صعوبة الحياة والظروف في ايران  , فاختار طريق الهجرة الى الدنمارك عبر المطار , وهو يتميز بالسلوك الساذج والمنفعل .  وبعد البحث عن العمل , وجد ضالته في مطعم الشاورما الذي يمتلكه المهاجر العراقي القديم ( وضاح المهداوي ) حاز على ثقته في العمل , لكنه وقع في مطبات خطيرة . أثناء وجوده في العمل والعلاقة مع صاحب المطعم  , مع هذه الشخصية المحنكة ( وضاح المهداوي ) السياسي اليساري , الذي هرب من بغداد الى كردستان بعد أيام من انقلاب البعث عام 1963 . خوفاً من السجن والتعذيب وقد يفقد حياته , من ممارسة البطش والتنكيل والإرهاب الدموي , الذي مارسوه الانقلابيون آنذاك . فأرسله حزبه الى ( موسكو ) ولكنه لم يمكث كثيراً في إقامته , وجد  التناقض الصارخ بين ما تعلمه من الأفكار الاشتراكية والمجتمع الاشتراكي , والواقع الفعلي الذي يمشي على الارض   , حيث يقول موجهاً كلامه الى ( احمد ) بما يحمل من مرارة التجربة السياسية  ( كي أزيل عنك اللبس , لابد أن أقول لك أني هربت من بغداد الى كردستان بعد انقلاب شباط بأيام ومن هناك الى موسكو وبعد شهرين من اقامتي في موسكو وجدت النظرية في وادٍ والناس في وادٍ آخر . العراقيون الهاربون معي يستشري فيهم الواسطة والمحسوبية , فعرفت أني كنت مخدوعاً أحببت كارل ماركس ولينين وتحمست , انفعلت ولجأت الى العنف في بغداد ) ص82 .

وهذه الشخصية المحنكة بالدهاء والخبث والتحايل  والسلوك النزعات  الشبق الجنسي . فقد مارس الفحشاء والزنى مع زوجة صديقه أو شريكه في المطعم بعدما ترك موسكو واستقر في بولندا . رغم مظهره الخارجي الذي يدعو الى الوداعة والتسامح والبشاشة في هيبته ووقاره , هذا السلوك المتناقض في السلوك والتصرف بين داخل ذاته وخارجه . ولكنه  مسيطر على سلوكه بتحكم واقتدار , رغم انه يتحايل على زوجته ( شارلوته ) بالمحصول المالي , والتحايل على الدولة بالتهرب من دفع الضرائب والغش . عكس شخصية ( أحمد ) في تجربته الخام في الغربة والعلاقات الشخصية . وبدافع من صاحب  المطعم حثه على بناء علاقة حب وزواج من عاملة في المطعم ( دانا ) وبالفعل تكللت هذه العلاقة بالزواج بتشجيع من صاحب مطعم الشاورما ( وضاح المهداوي ) وانجبت له زوجته الطفل ( علاء الدين ) لكن الذي أثار شكوكه وظنونه بخيانة زوجته بعلاقتها المحرمة مع ( وضاح المهداوي ) لان الطفل يشبه تماماً ( وضاح ) , بل صورة طبق الاصل منه  , وبدافع من زوجة صاحب المطعم ( شارلوته ) التي  كانت تنظر الى ( أحمد ) باحتقار واهانة مذلة , وتشير اليه بالتلميح الصريح الى هذه العلاقة المحرمة الخيانة الزوجية التي ترتكبها زوجته ( دانا ) وتجابهه بالحقيقة بكل احتقار وهي توجه كلامها اليه ( أين ذهب وضاح ؟ لحظتها استفزتني من لهجتها القاسية : أنه الآن في الخارج يؤدي طلباً لأحد البيوت . ضحكت بسخرية وتهكم : هل أنت أبله ؟ غبي DOM ) ص11 . استشاط غضباً وحنقاً وترك  المحل وتوجه الى بيته لينتقم من ( وضاح ) وزجته الخائنة , فعندما وصل الى بيته لم يجد ( وضاح ) , اشبع زوجته ركلاً وضرباً وهي تصرخ بصوتٍ عالٍ طالبة النجدة بأن زوجها يروم الى قتلها . وتجمع الناس وجاءت الشرطة ورمته بالسجن بتهمة الاعتداء على زوجته . ولكن بعد يوم اخبره الشرطي بأن زوجته تنازلت عن دعوى الاعتداء , ويمكن ان يخرج من السجن , وعندما خرج وجد ( وضاح ) في استقباله في باب السجن  , واخذه الى احد الاماكن وهناك افشى له بالسر الكامن في داخله, حتى  اخفائه عن زوجته . فقال له بأنه مارس العلاقة الجنسية مع البولندية زوجة صديقه وشريكه في المطعم , وقد أنجبت  من هذه العلاقة ( دانا ) وحينما ترك التونسي زوجته وهي حامل ,  بعدما  انهى دراسته ورجع الى تونس , جلب ( وضاح ) أم ( دانا ) الى الدنمارك طالباً اللجوء عام 1965 . وحينما توفيت أم ( دانا ) تولى رعايتها وحينما كبرت اشغلها معه في المطعم , يعني أن ( دانا ) هي ابنته و (علاء الدين ) حفيده الشرعي , وامام هذا الاعتراف الصريح , تلاشت الشكوك والظنون عن علاقة زوجته وابيها  . وطلب منه الرجوع الى زوجته والبدأ بحياة جديدة خالية من المنغصات

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

الحسين بوخرطة

02-02-2022 02:01

عالم غرفة شاق ومضني. المادة الرمادية تهاجر وتترك خيرات بلدانها للمكتسح بالحديد والنار. السياسة فن ممكن وحسابيات حسب موازين قوى. بلدان عربية تحتاج اليوم لرجالها للتعامل مع صراع الأجيال بحكمة وتبصر للعبور إلى ضفاف الأمام.

أكرمكم الله وأعزكم على هذه القراءة الجميلية سيدي جمعة عبد الله.

الحسين بوخرطة

زائر

02-02-2022 02:03

الاديب القدير الاستاذ الحسين بوخرطة ......

اتفق معك بأن عالم الغربة صعب ومعقد , واصبح في الوقت الحاضر مجازفة وخيمة العواقب , وكم يؤلمني سماع غرق عشرات اللاجئين ف قارب واحد من مئات الاخبار عن غرق قوارب المهاجرين  , الذين يودون الوصول الى اوربا , وقبل ساعات قرأت خبراً محزناً ومفجعاً بأنهم وجدوا على الحدود التركيا / اليونانية 11 جثة متجمدة في الثلج .

تحياتي

زائر

03-02-2022 02:01

ترددت كثيرا قبل ان اسجل هذا التعليق.

فالرواية قرأتها منذ سنوات و نسيت التفاصيل. لكن المقالة اوجزت خلاصة الأحداث. 

تكون عندي انطباع انها عمل لطيف يتحلى بالمرونة. غير ان المكان لم يكن مهما مثل الشخصيات.

مع ان الأحداث مهجرية غلب على الحبكة العلاقات بين الأفراد.

الغش و الخيانة طبع بشري. يتفاقم مع تفاقم غربتنا سواء في الداخل - اانفصال عن قوانين العادات القديمة و تبدل اخلاق العمل و التسوق و اخلاق الغسرة. اصبحت المرأة تعمل مثل الرجل. و حول ذلك من موقفها السكوني لموقف لها فيه الكثير من المبادرة و الاستقلالية.

و الغربة تتفاقم في الخارج بسبب المسافة النفسية بين المهاجر و المواطن الغصلي.

مهما اندمجت بالمجتمع المضيف يبقى على الوجه اشارة تعزلك عنه كما تقول الكاتبة ماري ندياي في روايتها قلبي في ضيق.

وهي كاتبة فرنسية سوداء متخصصة بشؤون افريقيا في فرنسا.

 

 

جمعة عبدالله

19-02-2022 02:05

الناقد القدير الاستاذ صالح الرزوق

نعم اتفق معك في تشخيص منصات الفكرية والتعبيرية للحدث الروائي والسردي في حبكته المشوقة لرواية : علاء الدين . والاخ المبدع الكبير الاستاذ قصي الشيخ عسكر , ملهم في روايات المهجر , والادب الروائي في المهجر , لا يمكن ان يبدع بالحدث السردي به  ,  إلا من عاش التجربة الفعلية  في الغربة والاغتراب . كما يقال . أن اهل مكة ادرى بشعابها ......

تحياتي صديقي العزيز

التعليقات

إدراج الإقتباسات...