وصية إلى جبان

وصية إلى جبان


رفقًا بنفسكَ

لا تخُض في اللُجّ

قس عمقَ المياهِ بطول غيركَ

قامةً أو قامتينْ

واحفظ لرجلك قبل نِيَة ِ نقلها قدُمًا

مواطئ رجعةٍ أو رجعتين

هي حكمة الجبناءِ، لكن لا عليكْ

 

لا بأس إن غطّى انسحابك وابلٌ

من أقذع الكلماتِ

تقذفها مجانيقًا تَرِنّ بمسمعيكْ

لن يبلغَ الأعداءَ نبرُك

 أنت تُسمعُ من لديكْ

والذنب ذنبُ الريح إن ردت بضاعتها إليك

غربيةٌ، عكسيةٌ أبدًا، ترُد قتار قدركَ

إن تناءى عنكَ

تلوي عنقَهُ قسرًا ليزكم منخريكْ

ثكلتك أمك لا عليك

 

رفقًا بحبرك أن يجفّ

وأن يغيضَ على الشفاهْ

لم تُبقِ من سيفٍ سواه

فاحرص على طوق النجاه

فالحبر مثل الدم، مثل النسغِ

يجري واهبًا نبض الحياه 

 

لا تنزف الحبر المقدس واختزنهُ ليومهِ

يُسعفكَ لمّا أن يجف الدمُ

حاذر، حبركَ المُسودّ أغرقنا

وغطى وجهكَ المجدورَ

ثرثرَ دافقًا من أنفك المثقوبِ

من عينيكَ، من أذنيكَ

من نافورةٍ نغرت بحلقكَ

غرغرت حبرًا

تدفقَ منكَ ذاكَ الأحمرُ القاني

تسيّدَ سائر الألوان

أزرقها وأسودها و أغبرها

وغبتَ، غرقت في لُججٍ

 تخوضُ بحبركَ المسفوحِ

لا تدري أهذا الراعفُ الدفاقُ في الشريانِ

حبرٌ أحمرٌ أم دم

وأن عَجيج هذي الجعجعاتِ ولا طحين وراءها

مدَدٌ تدافعَ مثلما أمّلتَ يا مسكينُ

أم غمٌ تراكم فوق ما حُمّلتهُ من غَم

فلا تهتم، لا تهتم

قديمًا قال قائلهم

وقد سُبيت على عينيهِ من وسط الحمى الإبلُ:

لقد أشبعتهم شتمًا، وإن تكُ ضاعت الإبلُ

 

ففيمَ تظلُ تنتظرُ

ويسكنُ روحكَ الأملُ

وتحلمُ أن سيعصمُ مُحتمٍ بذؤابةٍ جبلُ

وهذا الحبر لا ينفكُ ينهملُ

وليس يكف ُعن إغداقه هَطْلُ

لقد أُ نسيتَ يا مسكينُ حين تقطعت سُبُلُ

أفي الشريان دمٌّ دافقٌ أم نزّهُ وَشلُ

فدونك َ رهْفَ حدّ السيفْ

وجرحًا ناغرًا في صيفْ

 

نشدتكَ حكمة الأجيالِ ليس يشوبُها خطَلُ

بأن الأرض إن ظمئتْ

وإن جفّت سواقيها

شفاءُ غليلها نهرٌ يفجره أهاليها

وفيضٌ من دمٍ قانٍ تحدّر من مآقيها

يَغصّ به أعاديها

ولا تحني نواصيها

وتخطئ دربها تيها

 

 

فليس تُعيرُ وجهة سيرها السُبُلُ

وليس تُغيّر الأنهارُ مجراها وتنتقلُ

ففيمَ تَحارُ يا رجلُ

وتمضي العُمر مغلول اليدين

مُكبلا ضاقت بك الحِيَلُ

وفيمَ تظلُ مأسورًا ويحني ظهركَ الوجلُ

وتقعدُ للذي يأتي ولا يأتي مدى الأيام تنتظرُ.


 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

جمعة عبدالله

16-12-2021 12:06

الشاعر القدير الاستاذ فيصل سليم التلاوي

كلام شعري سديد وصائب في حكمته . صور شعرية بليغة التعبير والمعنى والايحاء ينزل الى عمق الجرح ويضع النقاط على الحروف . نعم هذا تعالي وغرور الجبان أو الجبناء , الذي أو الذين يرون انفسهم جبالاً شاهقة وهم اقزام في اسفل الوادي . ليس لديهم عهد وذمة وامانة ومواثيق بالشهامة والرجولة . فهم وضاع دنيوينين في حضيض المجتمع , ولا يحفظون الماء في وجوههم فقد نشفت من عارهم وسخافاتهم , نشفت من ماء الحياء والخجل , وتتحكم بهم حكمة الجبناء هي التي تحرك سريرتهم الناقصة , بالتطاول والتجاوز على المنطق والحكمة والمعقول . ولكن تبقى الحقيقة الثابتة والتي لا تتغير بكل الاحوال . الذئب يبقى ذئباً حتى لو لبس جلد الغزلان , والجبان يبقى جباناً حتى لو لبس جلود الاسود . فهم فرسان نكرة في النفاق والتالي والكذب . شراينهم جافة من الطهارة والنقاوة , فهم نذوب قيحية تنزف بالقيح للحاضر والواقع . ولكن يبقى الخلق الرفيق جبال شاهقة ويبقى الجبان في اسفل قاع الحضيض , تحركهم المصالح الانانية السخيفة , لذا فأن الوصية الى الجبان أو الى الجبناء , لم يسمعوها أو يصغوا اليها . ولكن حسب ما يقول القول المأثور : ذكر إن نفعت الذكرى .

تحياتي ايها الصديق العزيز بالصحة والخير

التعليقات

إدراج الإقتباسات...