المدينة لا ولن تموت؟

المدينة لا ولن تموت؟


المدينة لا ولن تموت؟

الحسين بوخرطة

 

في هذا اليوم المضني من بداية شهر فبراير 2022، الذي سجنني بأحداثه المتعبة في دارتي، بإرادة ذاتية عارمة، وجعلني أنغمس في فضاء تفكير ضيق المجال وواسع المرامي والأهداف. لم أعد منشغلا إلا بإشكالية وعي أجيال اليوم بتحديات ورهانات الغد.

من فضلك سامي "أكتب هذا الحوار القصير انطلاقا من هذه الصور باللغتين العربية والفرنسية، واحرص على تمتيعي بغبطة مستحقة بعد ساعة، ببراعة في الفهم والإملاء". أما أنت يا صوفيا: "لديك قصة قصيرة من المجموعة القصصية "أوان الرحيل" للدكتور علي القاسمي تحت عنوان "المدينة الشبح"، فأرجوك أن تستخرجي منها أهم المفردات والعبارات الجديدة التي أبهرتك". أطمع في أن يكون انشغال كل أيامكما المقبلة على هذا المنوال. فبمرور كل سنة في حياتكما، سيراكم قاموسكما في كل لغة حية أكثر من ثلاث مئة مصطلح جديد. قد تصبحان بارعان في الآداب وصناعة المعاجم والعلوم في سنوات الصبا. لمن إذن سنترك فرصة الارتقاء المعرفي هاته في نظركما؟

استجاب الطفلان لطلبي أمام أمهما. انغمسا في العمل بطريقة لا يمكن لأحد أن يشك في جديتهما. بعد برهات زمنية لا تنم عن حصيلة تستجيب لمطلب الحق في الترفيه. انتقل سامي من غرفته إلى غرفة صوفيا. نشب خلاف بينهما، وأنا مسجى على سريري منغمسا في تلويك أصوات عبارات أحداث قصة قصيرة جديدة. تطور الخلاف صراعا، ثم ضجيجا. هرعت بسرعة النمر باكيرا الحامي لماوكلي، وهي الرسوم المتحركة المفضلة لديهما، وانقضضت على الهاتف النقال الذكي، سبب انزلاقهما عن هدف نبل الحياة المؤرق للآباء والأمهات.

تشبثت بسر وجودي المرتبط بمصير أجيال الغد. تصرفت متسلحا بأعماق أسرار توجيه النفوس إلى الاستعداد لرهان فرض الذات. رن هاتفي الخلوي. إنه ريان، صديق الصبا، الذي نجا بأعجوبة في أيام طفولته من غياهم الجب. لقد قرأ مقالي بالفرنسية في موضوع "الجودة الكاملة أو الكلية للمنتوج السياسي الحزبي"، فسألني عن وضعي السياسي؟. أحسست بالحرج والحزن ولم أجد إلا مخرج القول: "روح السياسة تقاوم بأقلام صحافيين وكتاب ومفكرين، ضرب عليهم حصار نفسي يمقت القراءة مجتمعيا. لكنهم، كلما نضب مداد أقلامهم، تكبدوا الصعاب المادية من أجل شراء أقلام جديدة مقاومة للانجراف إلى غير رجعة، آملين في عودة ميمونة لمدينة فاضلة تستوعب المدينة الافتراضية. عشنا أحداث ثلاث عقود، ولم يتم إقرار شعار "العالم أصبح مدينة صغيرة" بل قيل " العالم أصبح قرية صغيرة". انقض الزمان على المكان، ويطمح إلى استدامة التحكم فيه ...".

أجابني : ماذا تقصد؟

واجهته بلباقة وابتسامة أنني لن أضيف أي كلمة أخرى للعبارة التالية: "أصبحنا يا عزيزي عالم بدون مدن، وحذاري من استمرار مساعي نفي المدينة. انكماش الناس على حياتهم العائلية، وتشجيع الذهنية الترفيهية والتفاهة، يشكلان خطرا محدقا بمقومات العيش المشترك أرضا".

أنهينا الحوار الهاتفي، وتبادلنا النكت المسلية التي أثارت في دواخلنا ضحكا من الأعماق غير المفهومة. حملقت في اتجاه مكتبي سامي وصوفيا، فاطمأننت لكونهما فهما الرسالة.

 

تقييم النص

يجب تسجيل الدخول أو التسجيل كي تتمكن من الرد هنا

التعليقات

علي القاسمي

10-02-2022 02:05

أخي العزيز الكاتب الأديب سيدي الحسين بوخرطة حفظه الله ورعاه،

تحية حارة لك بمناسبة هذه النص الجميل الذي تهدم فيه الأسورا بين الأنواع الأدبية.

إنه نص سلس بسيط  سلاسة الحياة وبساطتها، ولصيق بها.

تمنياتي لك ولولديك العزيزين بالصحة والخير والسرور.

أخوك: علي

التعليقات

إدراج الإقتباسات...